من الصحافة للفن ... المشوار الطويل لروزاليوسف

مشوار مليء بالتحديات والإنجازات قد غيّر ملامح الفن والصحافة في مصر، فمن الطفولة القاسية إلى الشهرة الواسعة، نحكي اليوم عن واحدة من رائدات الصحافة المصرية، السيدة روزا يوسف، التي تركت بصمتها سواء على خشبة المسرح أو في عالم الصحافة.
وُلدت فاطمة محيي الدين يوسف في الثاني من أغسطس عام 1898 بمدينة بيروت، لأسرة تعود جذورها إلى أصول تركية. فقدت والدتها فور ولادتها وكانت طفلة صغيرة حينما اضطر والدها، الذي كان يعمل تاجراً كثير التنقل، لتركها في رعاية أسرة مسيحية صديقة قبل أن يغادر في رحلة لم يعد منها قط. نشأت الطفلة مع هذه العائلة، معتقدة أنها أسرتها الحقيقية، وأطلقوا عليها اسم روزا كاسم تدليل.
لاحقاً، جاء أحد أصدقاء العائلة وكان يخطط للهجرة إلى البرازيل، فعرض أخذ الفتاة معه. وفي سن الخامسة عشرة وافقت الأسرة على طلبه. هنا بدأت روزا تسأل عن سهولة قبولهم لرحيلها، لتكتشف من إحدى الخادمات أنها ليست ابنتهم الحقيقية، وأن اسمها الأصلي فاطمة وهي مسلمة. بمرور الوقت، قررت أن تبدأ مغامرة جديدة بالسفر مع هذا الصديق.
رحلة روزا يوسف مع الفن والصحافة
بينما كانت روزا على متن الباخرة المتجهة إلى البرازيل، التقت بالممثل السوري إسكندر فرح الذي دعاها للانضمام إلى فرقته المسرحية في مصر. وعندما توقفت السفينة في ميناء الإسكندرية للتزود بالوقود، استغلت الفتاة الفرصة للتسلل منها لتبدأ حياة جديدة تماماً في مصر. هناك، اكتشف موهبتها الفنان الكبير عزيز عيد الذي دعمها كأب روحي وساعدها في تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم.
بداية روزا مع الفن
كان أول دور تم إسناده لروزا هو تجسيد شخصية امرأة مسنة رغم صغر سنها الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة. وبفضل توجيهات معلمها وإبداعها، استطاعت أن تثبت نفسها وتؤدي أدوارها بثقة وثبات. عملت خلال مسيرتها الفنية مع أسماء لامعة مثل جورج أبيض ويوسف وهبي. ومن أبرز أعمالها (عواطف البنين)، (القرية الحمراء)، (النسر الصغير)، و(العشرة الطيبة). اشتهرت بدورها في رواية *غادة الكاميليا* وأُطلق عليها لقب "سارة برنار الشرق". ورغم نجاحاتها مع فرقة رمسيس، كانت هناك خلافات بينها وبين يوسف وهبي دفعتها لاتخاذ قرار جريء باعتزال الفن والتوجه إلى الصحافة.
تحولها إلى الصحافة وتأسيس مجلة روزا يوسف
بعد اعتزال الفن، أطلقت مجلة "روزا يوسف" بالتعاون مع أمير الصحافة آنذاك محمد التابعي، واستعانت بفنان الكاريكاتير صاروخان. بدأت المجلة بتناول الموضوعات الفنية ثم تحولت لاحقاً إلى مجلة سياسية. واجهت روزا تحديات كبيرة بسبب هذا التحول، حيث تم سجنها لمدة ستة أشهر وأُغلقت المجلة لفترة. ومع ذلك، استطاعت بعزيمتها أن تستمر حتى أصبحت المجلة مؤسسة صحفية كبرى.
حياة روزا الأسرية
تزوجت روزا يوسف من الفنان محمد عبد القدوس وأنجبت منه الكاتب والصحفي إحسان عبد القدوس. كما تزوجت من الأستاذ زكي طليمات وأنجبت منه ابنتها أمل. لاحقاً تزوجت من قاسم أمين، أحد رموز الحركة الوطنية المصرية وداعمي حقوق المرأة.
في العاشر من أبريل عام 1958 رحلت السيدة روزا يوسف عن عالمنا تاركة خلفها إرثاً ضخماً من العمل الصحفي والفني، وذكراً لا يزول لرائدة صنعت مجداً من العدم. رحم الله هذه الشخصية العظيمة.