أبو الحسن الندوي.. صوت الإسلام في القرن العشرين

في زمن كثرت فيه التحديات على الأمة الإسلامية، وارتفعت فيه الأصوات التي تشكك في جدوى الدين وقيمه، ظهر رجل هادئ النبرة، قوي الحجة، عميق الرؤية، هو العلامة أبو الحسن علي الحسني الندوي، ليكون واحدًا من أبرز مفكري ودعاة الإسلام في القرن العشرين.
وُلد أبو الحسن الندوي في 31 ديسمبر 1913 بقرية "تكية كَلاَن" بولاية أوتار براديش الهندية، في أسرة سنيه علمية عريقة تنتمي إلى النسب النبوي الشريف، ووسط بيئة جمعت بين الأصالة الدينية والانفتاح الثقافي.
تربّى في بيتٍ تزاحمت فيه الكتب والصلوات، وتلقى علومه الأولى على يد والدته، ثم أتم دراسته الدينية واللغوية في دار العلوم ندوة العلماء، وأكملها في جامعة لكهنؤ ثم القاهرة، حيث التقى بعلماء الأزهر وتأثر بالنهضة الإسلامية هناك.
لم يكن الندوي مجرد عالم يحفظ المتون ويعلّم الطلبة، بل كان مربّي أمة، يرى أن الإسلام رسالة شاملة للحياة، وليست مجرد طقوس. تولى رئاسة ندوة العلماء في لكهنؤ، فحوّلها إلى منارة للعلم الشرعي والفكر الوسطي، تخرّج منها الآلاف من الدعاة والعلماء.
كان يتقن العربية كأهلها، وكتب بها مئات المقالات والكتب، من أشهرها:
"ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"
"رجال الفكر والدعوة في الإسلام"
"الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية"
جال العالم من مشرقه إلى مغربه، من الهند وباكستان إلى مصر والسعودية وأوروبا وأمريكا، يشارك في المؤتمرات، ويدعو إلى التفاهم بين الحضارات، محذّرًا من خطر المادية الغربية على الإنسان.
حاز على عضوية رابطة العالم الإسلامي، وكان عضوًا مؤسسًا في المجلس الأعلى للمساجد، كما نال جوائز تقديرية من عدة دول ومؤسسات علمية.
في 8 مايو 1999، أسلم الشيخ الندوي الروح بعد مسيرة تجاوزت ثمانية عقود من العطاء، تاركًا وراءه تراثًا ضخمًا من المؤلفات، ومدرسة فكرية إسلامية عابرة للحدود، تؤمن بأن الإسلام قوة ناعمة تنهض بالقلوب قبل أن تحكم العروش.
رحل أبو الحسن الندوي، لكن أفكاره لا تزال حاضرة في عقول وقلوب آلاف المسلمين، تهمس في آذانهم: "أنتم خير أمة أخرجت للناس، إن نهضتم برسالتكم، لا بأنفسكم فقط."