الإيجار القديم يشعل أزمة بين أصحاب العقارات وساكنيها.. فهل من حل عادل

منذ عقود طويلة، لا يزال "قانون الإيجار القديم" أحد أكثر القوانين إثارةً للجدل في الحياة القانونية والاجتماعية المصرية. فقد أسهم هذا القانون في حماية ملايين المواطنين من التشرد، لكنه في المقابل تسبب في حالة من الغضب والاحتقان لدى شريحة كبيرة من ملاك العقارات، الذين يرون فيه ظلمًا واضحًا لحقوقهم الاقتصادية. وبين حماية المستأجر ومظلومية المالك، تستمر المعركة القانونية والاجتماعية التي تطالب بحل عادل يُرضي الطرفين.
أصل القانون وتاريخه:
يرجع قانون الإيجار القديم إلى فترة ما قبل ثورة يوليو 1952، ثم تطور لاحقًا في قوانين متتالية صدرت أعوام 1954، 1969، و1977، وبلغ ذروته بقانون 49 لسنة 1977، ثم قانون 136 لسنة 1981. وكان الهدف الأساسي من القانون هو حماية محدودي الدخل في ظل ظروف اقتصادية صعبة، حيث تم تثبيت الإيجار وعدم تمكين المالك من زيادة القيمة أو فسخ العقد.
القانون نصّ على أن عقد الإيجار يمتد تلقائيًا، بل ويورث، فيما يتم تثبيت قيمة الإيجار دون زيادات حتى بعد عقود من التوقيع عليه، وهو ما جعل إيجارات بعض الوحدات لا تتجاوز بضعة جنيهات، في وقتٍ بلغت فيه قيمة العقارات ملايين الجنيهات.
المستأجر.. بين الأمان الاجتماعي والجمود القانوني:
يرى المستأجرون أن القانون يمثل صمام أمان اجتماعي، خصوصًا للمسنين وأصحاب المعاشات ومحدودي الدخل، الذين لا يستطيعون مجاراة أسعار الإيجارات الجديدة. بالنسبة لكثيرين منهم، كان هذا القانون هو الملجأ الوحيد في مواجهة ارتفاع أسعار السكن.
تقول سيدة مسنة تقيم في شقة إيجار قديم منذ عام 1975: "أنا بدفع 12 جنيه في الشهر، وعمري ما كنت أقدر أعيش في شقة بالإيجار الجديد. إحنا مش ضد الملاك، لكن مفيش بديل ولا قدرة مادية تنقلنا."
ولكن في المقابل، يُتهم بعض المستأجرين بالاستفادة المفرطة من القانون، حيث يقوم البعض بتأجير الوحدة من الباطن بأسعار مرتفعة، أو يشغل الشقة وهو مقيم بالخارج، أو حتى يورّثها لأبناء لا يسكنون فيها أساسًا.
المالك.. سنوات من المعاناة والمطالبات:
على الجانب الآخر، يشعر الكثير من الملاك بأنهم الطرف المظلوم والمجني عليه بسبب القانون. بعضهم يمتلك عقارات في مناطق حيوية وسط القاهرة، لكنه لا يستطيع التصرف في ممتلكاته بحرية أو حتى تحصيل إيجار يتناسب مع أبسط التكاليف المعيشية.
يروي أحد الملاك: "أنا عندي عمارة في وسط البلد، فيها 10 شقق، بدخل منها شهريًا 100 جنيه. في حين إن إيجار شقة واحدة بس من دول بالإيجار الجديد ممكن يجيب 5000 جنيه في الشهر."
كما أن المالك، وفق القانون القديم، لا يملك حق فسخ العقد إلا في حالات نادرة، كالهدم أو الترميم الجذري أو عدم السداد لفترة طويلة، ما يجعله شبه مجرد من حقوقه كمالك.
تحركات الحكومة.. هل من حل؟
شهدت السنوات الأخيرة عددًا من التحركات الحكومية والقضائية لحل هذه الأزمة. ففي 2019، أقرّ البرلمان تعديلًا على قانون الإيجار القديم لغير السكن (كالمحلات والمؤسسات الحكومية)، لتحديد مدة 5 سنوات لإنهاء العلاقة الإيجارية تدريجيًا.
كما تقدمت الحكومة والبرلمان بمشروعات قوانين لتعديل قانون الإيجار السكني القديم، لكن دائمًا ما تصطدم تلك المحاولات بالبعد الاجتماعي والسياسي، خوفًا من تشريد مئات الآلاف من الأسر.
في عام 2023، طرحت الحكومة مشروع قانون يقضي بتحرير العلاقة الإيجارية خلال مدة انتقالية (من 3 إلى 5 سنوات) مع منح المستأجرين حوافز للانتقال أو شراء الوحدة بتقسيط ميسر، لكن حتى الآن لم يُقرّ بشكل نهائي.
هل حصل المالك على حقه؟
الإجابة باختصار: لا بالكامل.
فرغم التحركات القانونية الأخيرة، إلا أن ملاك العقارات الخاضعة لقانون الإيجار القديم السكني لا يزالون محرومين من جزء كبير من حقوقهم الاقتصادية. فهم لا يستطيعون تحديد القيمة الإيجارية، ولا يملكون حق فسخ العقد أو حتى بيعه في بعض الحالات.
ومع ذلك، يجب الإقرار بأن تحرير العلاقة الإيجارية بشكل مفاجئ دون توفير بدائل، قد يؤدي إلى كارثة اجتماعية تتمثل في تهجير آلاف الأسر الفقيرة. لذا، فإن الحل العادل يجب أن يكون تدرجيًا، منصفًا، ومرتبطًا ببرامج دعم اجتماعي فعّالة.
الخاتمة:
يبقى قانون الإيجار القديم جرحًا مفتوحًا في جسد المجتمع المصري، لن يُشفى إلا عبر إصلاح قانوني عادل، يُحقق التوازن بين الحق في السكن الكريم للمواطن، والحق في الملكية والعدالة الاقتصادية للمالك. وبين الرغبة في التغيير والخوف من نتائجه، تظل الدولة مطالبة بإيجاد حل وسط يُنهي هذه الأزمة التاريخية دون أن يُخلف ضحايا جدد.