التقدير... ضرورة لا رفاهية

في زحام الحياة وتفاصيلها المتسارعة، يمر بنا الكثير من المواقف التي تكشف لنا معادن الناس، وتُظهر لنا من يُجيد فنّ التقدير، ومن لا يعرف له طريقًا. فالتقدير ليس مجرد كلمة تُقال، بل هو إحساس داخلي ينبض بالعرفان، وسلوك راقٍ يدل على إنسانية متأصلة.
ليس الجميع يُجيد فنّ التقدير، فبعض القلوب تتقن الأخذ، لكنها تنسى العطاء، وكأن الامتنان رفاهية لا ضرورة. تمرّ بك لحظات تُعطي فيها من وقتك وجهدك وروحك، فتقابل ذلك بالصمت أو التجاهل. لا لأن ما فعلته كان عاديًا، بل لأن البعض لا يرى الجمال إلا إذا كان مغلفًا بمصلحة، أو محسوبًا بميزان المنفعة.
إن التقدير لا يُشترى، ولا يُفرض، بل يُولد في البيوت التي تعلّمت الكلمة الطيبة، وتربّت على شكر المعروف، وإن قل. هو خُلق لا يظهر إلا في النفوس الراقية التي تعرف أن الشكر لا يُنقص من الكرامة، بل يزيدها رفعة.
كم هو جميل أن تعطي وتنسى، لكن الأجمل أن تجد من يقابلك بابتسامة، بكلمة شكر، أو حتى بدعاء صادق لا يُسمع، لكنه يصل قلبك.
في مجتمعاتنا، نحن أحوج ما نكون إلى ثقافة التقدير؛ في البيوت، في أماكن العمل، في المدارس، وفي الشارع. فالتقدير ليس ترفًا، بل ضرورة تُنعش العلاقات، وتُعيد للإنسان شعوره بالقيمة، وتُرسّخ معاني التراحم والمودة.
أحيانًا، لا يحتاج الإنسان إلى مقابل مادي، بل إلى لحظة تقدير، تبعث فيه الحياة من جديد. فكن من الزارعين لبذور النور في قلوب من حولك، فإن لم تجد من يُقدّرك، فلا تتوقف عن التقدير، لأنك بذلك تحيا بقلبٍ يعرف الجمال ويصنعه.