ظاهرة موائد رمضان بين الكرم والتحديات التنموية

مع حلول شهر رمضان المبارك، تزداد مظاهر التكافل الاجتماعي، وتبرز موائد الرحمن كأحد أوجه هذا الكرم، حيث تمتد في الشوارع والساحات، لتوفير الطعام للصائمين من المحتاجين وعابري السبيل. إلا أن هذا العام شهد شغفًا غير مسبوق في إقامة هذه الموائد، حتى باتت ظاهرة تستدعي التوقف والتأمل، خاصة في ظل ما يعانيه المجتمع من تحديات اقتصادية وتنموية.
ما بين الإيجابية والمبالغة
لا شك أن موائد الرحمن تجسد معاني الرحمة والتآخي، إلا أن تضخم أعدادها والمبالغة في تجهيزها أحيانًا تثير التساؤل حول الأولويات في العمل الخيري. فبدلًا من التركيز على الاستهلاك اللحظي للطعام، كان الأجدر استثمار هذه الجهود في مشاريع مستدامة تعود بالنفع طويل الأجل على الفئات المستحقة، مثل تمويل المشروعات الصغيرة، ودعم التعليم، وتوفير فرص العمل.
أزمة الإنتاج والدعم غير الممنهج
في ظل الأزمة الاقتصادية التي يواجهها المجتمع، نجد أن الموارد تُستهلك في تجهيز الموائد الفاخرة، دون توجيهها نحو دعم الإنتاج المحلي أو تحسين أوضاع الأسر الفقيرة بشكل دائم. فبدلًا من إنفاق الملايين على موائد يومية، كان يمكن استثمار جزء منها في تطوير برامج تدريبية تتيح للشرائح المستهدفة تحسين أوضاعهم المعيشية، مما يحقق استدامة العطاء بدلًا من الاكتفاء بحلول مؤقتة.
دور المجتمع المدني في إعادة التوجيه
من هنا، يبرز دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق توازن بين تقديم المساعدات العاجلة وإطلاق مشاريع تنموية مستدامة. كما ينبغي على الجهات المنظمة لموائد الرحمن وضع استراتيجيات توجيهية، بحيث يكون جزء من التبرعات موجهًا نحو التعليم والتأهيل، وبناء فرص اقتصادية بديلة تعزز من قدرة الأفراد على الاعتماد على أنفسهم.
دعوة لإعادة النظر في ثقافة العطاء
لا بد أن يتحول العطاء من مجرد توفير وجبة إلى تمكين الأفراد من بناء مستقبل أفضل. علينا أن نسأل أنفسنا: هل الأفضل أن نطعم شخصًا ليوم واحد، أم نساعده في تأمين قوت يومه بكرامة طوال العام؟ رمضان شهر الخير، لكن الخير الحقيقي هو الذي يترك أثرًا مستدامًا في حياة الناس.
ختامًا، إن التكافل الاجتماعي لا يتوقف عند حد تقديم الطعام، بل يمتد ليشمل كل ما من شأنه أن يعزز التنمية والاستقرار، مما يجعلنا بحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية توجيه الجهود الخيرية نحو ما يحقق النفع الأكبر للمجتمع بأسره.