عرابة أبو دوس بسوهاج بين عظمة التاريخ وإهمال الحاضر
في محافظة سوهاج المصرية، حيث تُختزل صفحات من التاريخ الفرعوني والإغريقي والمسيحي، تقف قرية عرابة أبو دوس كواحدة من الشواهد الأثرية العريقة التي تحمل في طياتها عبق الحضارات القديمة، لكنها اليوم تُعاني من إهمالٍ يهدد بضياع جزءٍ من ذاكرة الإنسانية. هذه القرية، التي قد لا يعرفها الكثيرون، تُجسّد التناقض الصارخ بين عظمة الماضي وإهمال الحاضر، فكيف تحوّلَت من مركزٍ حضاري إلى موقعٍ منسي حيث عظمة التاريخ: حين كانت عرابة أبو دوس بوابة للآلهة و ترجع أهمية عرابة أبو دوس إلى موقعها الجغرافي المُميز بالقرب من أبيدوس العاصمة الدينية لمصر القديمة، والتي كانت مقرّاً لعبادة الإله أوزيريس إله البعث والحساب. تشير الاكتشافات الأثرية إلى أن المنطقة كانت جزءاً من شبكة طرق التجارة والرحلات الدينية التي ربطت شمال مصر بجنوبها. وذلك في العصر الروماني وازدهرت القرية كمركزٍ للزراعة بفضل تربتها الخصبة وقربها من نهر النيل، كما تُظهر بقايا المعابد والمقابر المنحوتة في الصخر مدى تطور الفنون المعمارية آنذاك. ومن أبرز آثارها المقابر الملونة التي تحوي نقوشاً هيروغليفية تُصور طقوس الحياة اليومية والعبادات، بالإضافة إلى بقايا معابد صغيرة تعكس التنوع الديني عبر العصور ولكن اهمال الحاضر حين تتحول الآثار إلى ركام
حيث تُعاني اليوم عرابة أبو دوس من إهمالٍ يليق بكارثة ثقافية. فالكثير من نقوشها الأثرية باتت مطموسة بسبب عوامل التعرية والرطوبة، وبعض المقابر تُستخدم مخازنَ للمحاصيل الزراعية أو حظائرَ للحيوانات. أما التعديات العمرانية الحديثة، فقد طالت أجزاءً من الموقع الأثري، حيث تُبنى المنازل فوق طبقات تاريخية دون رقابة.
السياحة الثقافية، التي يُفترض أن تكون مصدر دخلٍ لأهالي القرية، تكاد تكون معدومة بسبب غياب الدعاية للموقع وافتقاره لابسط مرافق الخدمات. حتى أن الزائرين الذين يتوجهون إلى أبيدوس القريبة لا يعرفون بوجود هذه القرية الأثرية، مما يُفاقم عزلة المكان وتكمن جذور الأزمة فى عدة أسباب ادت الى اُهمَال عرابة أبو دوس ومنها التركيز على المواقع الكبرىوتُوجه معظم الموارد الأثرية والسياحية في سوهاج إلى مواقع مثل معبد سيتي الأول بأبيدوس، مما يُهمل القرى الصغيرة المجاورة رغم ثرائها التاريخي. وايضا غياب التمويل حيث لا توجد ميزانيات كافية لترميم الآثار أو تطوير البنية التحتية للسياحة.
وغياب الوعي المجتمعي حيث يفتقد بعض الأهالي الوعي بأهمية الحفاظ على التراث، بينما يضطر آخرون لاستخدام الآثار في أغراض يومية بسبب الفقر. ولبيروقراطية و تعقيدات الإجراءات الحكومية التى تُعيق تعاون المنظمات الدولية في إنقاذ الموقع
ان إهمال عرابة أبو دوس ليس مجرد تدميرٍ لحجارةٍ قديمة،بل هو محوٌ لشاهدٍ على تعاقب الحضارات. فكل نقشٍ يتآكل، وكل معبدٍ ينهار، هو انهيارٌ لرابطٍ بين الأجيال وذاكرتهم الجماعية. كما أن فقدان الموقع يُضعف فرص التنمية الاقتصادية لمجتمعٍ يعتمد بشكلٍ كبير على الزراعة التقليدية.
ولذلك يجب ادراج الموقع في خريطة السياحة الدينية بالتنسيق مع وزارة الآثار وهيئات السياحة لعمل جولات تشمل أبيدوس وعرابة أبو دوس معاً. وحملات ترميم عاجلة بالتعاون مع خبراء دوليين في الآثار المصرية. وتمكين المجتمع المحلي عبر تدريب الأهالي على الحرف التراثية وإشراكهم في حراسة الآثار.
والتوعية الإعلامية عن طريق إنتاج أفلام وثائقية قصيرة تُبرز قيمة الموقع وتُنشر على منصات التواصل.
ان عرابة أبو دوس بسوهاج ليست مجرد أطلالٍ تحت الشمس، بل هي جزءٌ من سردية مصر الحضارية التي صنعت تاريخ العالم إن إنقاذها مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون ثقافية أو اقتصادية فالحضارات لا تُقاس بضخامة مشاريعها الحديثة فقط، بل بمدى احترامها لتراث أجدادها. فإما أن نعمل اليوم على حماية هذه الكنوز، أو نندم غداً حين لا يبقى منها إلا الصور في الكتب.