جمال حسين يكتب : سوريا وكيفية الخروج الآمن
فور سقوط نظام بشار الأسد وهروبه إلى روسيا، بعد أن سيطرت فصائل المعارضة على البلاد بعد هجوم سريع استمر 11 يوماً فقط أنهى حكما دام 24 عاما، وحقبة من حكم «الأسد» أبا ثم ابنا، استمرت قرابة 6 عقود، كتبت مقالا بصحيفة الأخبار أكدت فيه أنّ هذا السقوط الدراماتيكي وراءه صفقة، وأنّ الأيام القادمة ستكون حبلى بالتفاصيل.. وبالفعل لم تكد تمر ساعات حتى بدأت الأخبار تتواتر من هنا وهناك لكشف لغز الانهيار السريع الذي شغل بال الكثيرين من الخبراء والمحللين، وكذلك لغز الصمت الأمريكي الإسرائيلي المبارك لكل ما حدث.
الآن كثر الحديث عن «صفقة الخروج الآمن» التي تم عقدها بين روسيا وحليفها بشار الأسد، والتي حصل بموجبها «بشار» على اللجوء السياسي «الإنساني» مع أسرته التي كانت قد سبقته إلى موسكو في بداية الأحداث.. تبين أنّ روسيا أبلغت «بشار» أنّ الأمور أصبحت خارج السيطرة وأنه ليس بمقدورها استخدام سلاح الجو الروسي كما حدث في عام 2011 لأن هناك دعما دوليا وإقليميا للفصائل التي تتقدم بنجاح من إدلب إلى حماة وحلب وحمص، وها هي على أعتاب دمشق.
أكدت روسيا لبشار الأسد أنّ روسيا لا تخون أصدقاءها وحلفاءها، وأنّها ستقف معه حتى النهاية، وعقدت معه صفقة الخروج الآمن مقابل إنهاء الصراع بطريقة تجنب انهيار الدولة السورية بشكل كامل.. تضمنت الصفقة ضمانات أمنية لـ«بشار» وكل أفراد عائلته بخروجٍ آمن، ومنحه اللجوء السياسي مقابل مغادرته وعدم المقاومة.. أمريكا باركت الصفقة التي لاقت ارتياحا أكبر من جانب إسرائيل التي وجدت فيها ضالتها للتوسع في الأراضي السورية وهو ما حدث بالفعل.. فبعد ساعات قليلة من سقوط نظام «بشار» وبينما كان الفرقاء والفصائل يحتفلون في الشوارع والميادين استغلت إسرائيل الفرصة وسارعت الآلة العسكرية الإسرائيلية بالتوغل في جنوب سوريا واستولت على قاعدة جبل الشيخ ذات الموقع الاستراتيجي المهم والتي تطلق عليها إسرائيل «عين إسرائيل»، كما احتلت نقاطا حدودية بطول 200 كيلومتر في المنطقة العازلة مع سوريا بمباركة أمريكية، ووقف نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، منتشيا، يعلن للإسرائيليين أن هذا اليوم يوم تاريخي لإسرائيل، ويؤكد لهم انهيار اتفاقية فصل القوات بين إسرائيل وسوريا الموقعة فى عام 1974 لضمان أمن سكان بلدات هضبة الجولان ومواطنى دولة إسرائيل.
روسيا استفادت من الصفقة أن حافظت على مصالحها في سوريا، حيث تمتلك قواعد عسكرية استراتيجية هي قاعدة حميميم البحرية وقاعدة طرطوس، وربما قدمت «الأسد» ونظامه قربانا لأمريكا والغرب لتحسين علاقتها معهم وضمان نفوذ مستقبلى فى حكومة سوريا الانتقالية.
لكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد بدأت بعض الأصوات من داخل سوريا وخارجها تطالب بمحاكمة «بشار» كمجرم حرب.
الآن ماذا بعد أن تهدأ الاحتفالات؟ هل تبدأ صراعات الفصائل حول تقسيم الغنائم؟ الخوف كل الخوف من تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ على أسس عرقية أو طائفية «علوية، كردية، سنية، درزية».
لكننا نتمنى مصالحة وطنية، التوافق على عملية سياسية شاملة تشمل كل الفرقاء.
مصر تتابع باهتمام ما يحدث في سوريا وتقف إلى جانب الدولة والشعب السوري وتدعم سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وتدعو جميع الأطراف إلى صون مقدرات البلاد ومؤسساتها، وتغليب المصلحة العليا من خلال توحيد الأهداف وبدء عملية سياسية متكاملة تؤسس لمرحلة جديدة من التوافق والسلام الداخلى واستعادة وضع سوريا الإقليمي والدولي.
السؤال الذي ينتظر إجابة صريحة: ما موقف أمريكا من هيئة تحرير الشام التي أطاحت بنظام «الأسد» والتي سبق أن صنفتها كمنظمة إرهابية ورصدت في عام 2018 مكافأة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعدها في القبض على زعيمها أبومحمد الجولاني الذي يحكم سوريا الآن!!
بالتأكيد سقوط النظام في سوريا زلزال أنهى حقبة طويلة من حكم «الأسد» لكن توابعه أفرزت له بدايات كثيرة!!