فريد عبد الوارث يكتب: لتكن معركة الوعي.. عنوان المرحلة
تُعتبر معركة الوعي اليوم من أهم المعارك، و أي مجتمع بلا وعي ناضج هو الأرض الخصبة لكل فساد و إرهاب و تفكك، و ليس هناك نصر على الأرض قبل النصر في وضوح الفكرة و المبادئ، و لعل تعرض الإنسان للتشويه و التوهان في وعيه من أخطر الإصابات، فالإنسان يمكنه التعايش مع كثير من إصاباته البدنية و الحسية و يستمر في تفكيره و إبداعه، و لا يستطيع فعل ذلك إذا أصيب في و عيه و إدراكه.
فالصراع الحالي بين الأمم و الأيديولوجيات ميدانه الرئيسي و الوحيد هو العقول و الأفكار، و للأسف الشديد تغلب فيه أصحاب الأفكار الهدامة و نجحوا في استدراج غالبية الشعوب العربية و ضربهم في ثوابتهم و قيمهم !!
و تكمن خطورة صراع الأفكار في تأثيرها على العقول و توجيه الشعوب،و لا شك أن فكرة واحدة صحيحة قد ترتقي بأمة و تعلى من شأنها، و فكرة واحدة فاسدة قد تضرُّ بأجيال كاملة و تلقي بها إلى التهلكة، و كيف لا و تقدم أي أمة يبدأ بفكرة و إيمان بقصية تستولي على العقول و تصل لدرجة الاعتقاد الذي يتحول لحركة واقعية فاعلة في حياة الشعوب، و العكس صحيح، فدمار و تخلف الأمم يبدأ بفكرة سلبية و تشكيك ممنهج في قياداتها و تكذيب للإنجازات و تقوقع فكري و دوران حول التصديق و التكذيب وصولاً لحالة من العزلة عن العالم مع تفكك مجتمعي بمثابة المسمار الأول في نعش الأمم.
خاضت أوطاننا معارك متنوّعة و كثيره ويبقى أخطرها على الإطلاق هي معركة الوعي، خاصة أننا نعيش مرحلة تزييف متعمّد تحاول أن تخلّ بميزان الحلال و الحرام، و معاييرِ الصواب والخطأ و العبث بمكونات هويتنا التي تأصلت عبر قرون من الزمان ، تزييف مخطط و تشكيك ممنهج و خلط للأمور ومحو للثقافة و الهويه.
والثابت تاريخياً أن المقامرين بمصائر الشعوب يحرصون على تغييب الوعي و محاربة مصادره،و دائماً يهربون من لغة الأرقام و الخطط و الإنجاز إلى لغة العواطف و بطولات الوهم ! و لا يقاوم هؤلاء إلا إعلام مهنيّ صادق متحرر مؤمن بوطنه و بخطورة المرحلة و على الجيل الجديد أن يتحرر من قيود الماضي الذي يحاول جاهداً السيطرة على وعيه و ربطه بصراعاته و انتقاماته و أن يدرس و يحاكم بوعي ما طُرح عليه من فرضيات على أنها مسلّمات كما يجب علينا مساعدة الجيل الجديد في أن يقتنع بوعي بما يقول و يفعل و بما يدافع عنه، و ليكن عنوان المرحلة معركة الوعي.