18:10 | 23 يوليو 2019

عبدالحى عطوان يكتب: ماتت دون علاج

10:08am 19/10/24
عبدالحى عطوان
عبدالحى عطوان

داخل المبنى الكبير، الذي علقت على أبوابه لافتة تنتاب القلب بالانقباض، لمجرد قراءة حروفها جلست على أحد المقاعد الإسمنتية، التي أنشأت لتكون استراحات للمترددين، مالت برأسها قليلا على الجدار الخلفي لتلملم شتات أنفاسها، التي أرهقها الزمن وقسوة المعاناة، منتظرة دورها، تدور الأفكار برأسها وتنتابها الهواجس، بينما عيناها تراقب ساعة يدها باستمرار، تلك التي تذكرها دائما بالماضي وبكل تفاصيله، فقد لازمتها منذ سنين طويلة تنظر إليها، تشعر بأن عقاربها بطيئة جدا، تدور خارج إطار الزمن، تلتفت يمينًا نحو الناس الجالسون حولها، وكل منهم شارد الذهن، ومكفهر الوجه، ويحمل كومة من الأشعة والروشتات والأوراق الطبية، تهمس لنفسها ببضع كلمات لتنفض هذا اليأس القاتل داخلها، وبث الطمأنينة في روحها الهائمة حول المكان، وكأنها تريد الرحيل.

اللحظات تمر ببطء، وعيناها تتنقل تارة بين ساعة يدها العتيقة، التي عمرها من عمر أحزانها، وذاك الباب الذي يقف أمامه ذلك الشخص ذو الملامح الحادة، الذى يرتدي سترة بيضاء، ويمسك بيده اليمنى ورقة مكتوب بها كشف بالأسماء والأرقام،  وتارة  تراقب تلك الأشجار التي تحيط بسور المبنى العتيق، والتي بدت جدرانه قاتمة الألوان تميل إلى السواد، وكأنها تبكي لسماعها روايات وهمسات المترددين وآلامهم فقد أكتست  بالإهمال الذي أصابها.
حاولت أن تغمض عينيها قليلًا، وأن تخرج من تركيزها فيما يدور، فهي في كابوس لا تعرف نتائجه، فمنذ أن دخل ذاك الفيروس جسدها، الذي كان رمزًا للأنوثة الطاغية، وأجرت الفحوصات وأشعة الرنين ومتاهات لا تنتهي،  فقد تبدل كل شيء، وأصاب جسدها الوهن، انتظار يسلم انتظارًا وأفكار  لا قرار لها، فهو مرض يحمل كل شيء للجنون، يدعو ليأس مخيف فقد غزا كل الأنسجة ليصبح كرة النار التي تتدحرج نحو الروح لينهي حياة صاحبه، ويدمر في طريقة كل نفس تبحث عن مرفأ ترسو عليه!!

عاشت مع المرض سنوات من عيادات لعيادات، حتى راودها كثيرًا حلم النهاية لتتخلص من آلامها، بل كثيرًا ما شعرت برغبة ملحة على التيه، بعدما أصبح كل شيء في جسدها سقيمًا، ولا تجد الروح منه مخرجًا، وبينما هي غارقة في تفاصيل كثيرة، ما بين ماضٍ لم تعشه وتستمتع به، ولدت وكبرت وسط بيئة لا تمتلك أي مقدرات علية القوم أو حتى معيشة البسطاء، فقد لقبت رغم كل جمالها وجاذبيتها ببنت الشقاء، وحاضر قبل أن يهنأها بشيء هاجمها ذلك اللعين لينهش في جسدها النحيل ليجعل من الموت شبحًا يطاردها في كل لحظة.

وبينما هي تائهة بين أفكارها ومأساتها، نودب على اسمها، لتتجه إلى ذلك الباب المعلق عليه عنوان يقتل الأمل مهما كان موجودًا، وبمجرد أن وضعت أقدامها داخل تلك الغرفة الموجود بها كم من الأجهزة والمعدات، حتى انتابها شيئًا غريبًا سرى بين ثنايا جسدها أشعرها وكأنها وصلت لمحطتها الأخيرة مع قطار العمر.

وقبل أن تخطو للداخل، وتقترب أكثر من ذلك الجهاز، طلبت ورقة وقلمًا من الممرضة التي أمامها لتكتب بضع كلمات قليلة من أجل أبنائها، فهى المعيلة الوحيدة لهم، ثوانٍ معدودة حاولت أن تستجمع قواها، وأن تكتب شيئا،  هل سأعود؟ هل سأراهم مرة أخرى؟  فإذا بيديها ترتعشان دون أن تدون سوى كلمة واحدة ، وداعًا أيتها الحياة، وبينما يقترب الطبيب ليستعجلها تسقط على الأرض لتفارق الحياة، وسط دهشة وذهول الحاضرين وصرخات الممرضات، ليكتب الطبيب في تقريره أسباب الوفاة: "نقص أدوية علاج العجز والقهر والخوف والمرض والظلم واليأس،  فقد ماتت دون علاج، توقيع البقاء لله".
 

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn