18:10 | 23 يوليو 2019

عبدالحى عطوان يكتب: الشقيقان وسر المكالمة الهاتفية

2:49pm 28/09/24
عبدالحى عطوان
عبدالحى عطوان

حينما وقعت عيناه عليها لم يستطع مقاومتها؛ فقد فتنته منذ اللحظة الأولى، وكأن حوارًا داخليًا بالعشق دار بينهما، فقد كانت تعكس أطياف الشمس المتلألئة عليها، بل تكور من حبات الماس فوق وجنتيها بريقًا وكأنها عروس تكحلت في ليلة العرس بأبهى مفاتنها، ورغم أنه نحيف، متوسط الطول، قليل الحجم، لكنه كان ممشوق القوام  يمتزج لونه بلونها، تميزه عينان غائرتان يتلونان بخضرة الأرض في اراتوائها، يرتسم فوق شفتيه شارب صغير، وبشرته تنطلق على أنه حاد الطباع، قوي الشخصية، فقد وضع لنفسه روتينًا يوميًا لا يحيد عنه، فهو يستيقظ مع صلاة الفجر ليذهب يوميًا مع أول إطلالات الشروق إلى عروسه التي تنتظره ليشم رائحة عرقه بين ثنايا جسدها، فهو لم يحالفه الحظ في إكمال تعليمه، وتفرغ تمامًا إلى تلك البقعة التي ورثها، بضعة قراريط، لتمر السنوات وتصبح المساحة عددًا من الأفدنة، حتى أطلق عليها أرض عبد الدايم.
وقف متأملًا يسترجع ذكرياته وحديث شقيقه له في التليفون عن بيع نصيبه أو بيع الأرض للغريب، فقد تذكر كيف كان يوقظه كل يوم ليذهب لمدرسته، في علاقة داخلية بالسعادة، وكأنه أراد أن يرى نفسه في شقيقه، فعزم على توفير كل شيء له، حتى وإن أثار ذلك بعض رجال القرية، فقد كانوا يعجبون من ذلك العشق لدرجة أنه كان ينعكس على محصوله المميز حتى بعد رحيل والده، كان ينفق عليه ببذخ في دراسته، لدرجة أن زوجته كانت تغار من ذلك الترابط حتى أنجبت ابنها مرزوق فباتت لا تركز في تفاصيل كثيرة في علاقتهما، بينما هو كان يعتبره الابن الأكبر له متجاهلًا غيرتها وحديثها الذى لا ينقطع عن شقيقه مرددة: "سيأتي يوم ويقاسمك كل شيء، وكيف سيرث في تلك الأرض دون أن يراعى شقا عمرك أو سنينك التي قضيتها بين حباتها تزرع وتحصد وتكبر!"، بينما هو كان لديه حلم أن يرى شقيقه طبيبًا كبيرًا.
 كان ذلك اليوم ليس يومًا عاديًا فقد وقعت كلماته خلال المكالمة الهاتفية بينهما وكأنها حجرًا أُلقي في بركة راكدة ليكسر ذلك الهدوء ويصنع تلك الأمواج المتلاحقة، فقد تذكر سنوات طويلة وهو يتردد على البنك الزراعي ليقترض ويبيع ما يمتلكه، ليشتري قطعة أرض، تذكر كيف كان يفترش الهواء بقطعة قماش ليالٍ طوال في انتظار المياه لري الأرض أو الحصاد رغم الظلام الدامس وأصوات الحيوانات المرعبة، تذكر كيف كان يحتضنه مع كل سفرية ويعطيه الأموال دون حساب، من أجل تحقيق حلمه، أراد أن ينطق بصرخة مدوية من صدر مكلوم، ربما لم يصادف شعورًا كهذا من قبل، حتى وقت رحيل والديه دوى من صمته نحيبًا غير معلن، فمشاهد كثيرة لا تبرح مخيلته كيف كان يدبر له كل المال في كل عام ويردد كلماته.
جلس متكئًا على إحدى الوسائد الموضوعة على كنبة بالصالة، شاردًا ينظر إلى السقف ينفث دخان سيجارته، مبتعدًا بملامحه عن زوجته حتى لا تكرر نفس الأسئلة ونفس الكلمات المدوية القاتلة المرتشقة بأعماقه كالسهام المسمومة أيام كثيرة، بهذا الحال حتى أصبح النوم زائرًا خفيفًا لا يطيل البقاء رغم مجهود الساعات الطويلة التي يقضيها مع الأرض لدرجة أنه كثيرا ما يهذي بكلمات غير مفهومة، وأنفاس هلع متلاحقة، بل أحيانًا ما يتصبب عرقًا في عز البرد، وكأنه يخشى مجهولًا أو شيئًا ثقيلًا يكبله بين قضبان هذا الكابوس المطبق على روحه، أراد العودة إلى وعيه ليتخذ القرار الذى لم يتوقعه ذلك الشقيق الأصغر...
 

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn