محمود سامح همام يكتب : تحركات مصرية لاستعادة دورها الريادي في إفريقيا
تسعى مصر جاهدةً لاستعادة دورها الريادي في القارة الإفريقية، مستفيدة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وتاريخها العريق كقوة إقليمية مؤثرة. تأتي هذه التحركات في ظل ديناميات متسارعة تشهدها القارة، وتوترات إقليمية متصاعدة تتطلب توازناً دقيقاً ومواقف سياسية حازمة. وتبرز أهمية هذه التحركات في سياق تعزيز الأمن القومي المصري، وتأمين مصالحها الحيوية في إفريقيا، خاصة في مجالات المياه والطاقة والتعاون الاقتصادي. تحاول مصر، من خلال هذه الاستراتيجيات، وتقدم نفسها كركيزة للاستقرار في المنطقة، وتعزيز شراكاتها مع الدول الإفريقية على مختلف الأصعدة، بما يسهم في تحقيق تكامل إقليمي يتناسب مع التحديات والمتغيرات الحالية.
استكمالاً, وفي ضوء ما توليه مصر من اهتمام بالغ لضمان أمن واستقرار للقارة السمراء, بالإضافة إلى اعتبار القاهرة تعزيز السلم والأمن في إفريقيا هو جزء لا يتجزأ من دوائر صناع السياسة الخارجية المصرية, وعلى أثر ذلك استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، بمدينة العلمين الجديدة الرئيس محمد إدريس رئيس جمهورية تشاد بتاريخ 30 يوليو 2024, وقد عُقدت جلسة مباحثات حرصت مصر خلالها على تقديم الدعم الكامل لتشاد على كافة الأصعدة, بالاضافة الى التركيز على جانب التعاونى بين البلدين في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب.
وبتاريخ 30 اغسطس 2024, وصلت طائرتين عسكريتين مصريتين من نوع سي 130 محملتين بالأسلحة والمعدات العسكرية إلى الأراضي الصومالية, وتلك المساعدات المصرية هي الأولى التي تصل الصومال منذ أكثر من أربعة عقود، وتلك الخطوة جاءت في ضوء بروتوكول التعاون الأمني الذي وقعته مصر والصومال، حيث تهدف القاهرة إلى أن تساعد مقديشو في حفظ أمن مضيق باب المندب على البحر الأحمر والذي يعد أحد عوامل أمن قناة السويس المصرية, كما يمكننا تصنيف هذا التحرك المصري بأنه رد على تصرفات إثيوبيا التي لا تحمل إلا الاعتداءات والعداوات لدول المنطقة وتهدف الى زعزعة استقرارها الأقليمي.
وعلى صعيد أخر, وفي سياق التوتر في الداخل النيجيري, والغضب الجماهيري في لاجوس من الاصلاحات الاقتصادية بالبلاد وحاجة نيجيريا الى الحوكمة ومكافحة الفساد, تم توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ونيجيريا في مجال إنفاذ قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بمقر جهاز حماية المنافسة بالقرية الذكية، وذلك بحضور سفير دولة نيجيريا لدى القاهرة, مما يوضح لنا تمتع مصر ببنية مؤسسية قوية تدعم الاستقرار الاقتصادي وحماية التجارة الداخلية وأن جهاز حماية المنافسة المصري نموذج يحتذى به في القارة الافريقية، لما يتميز به من خبرة واسعة في التعامل مع التحديات الاقتصادية والتجارية المعقدة. جعل هذا الجهاز يكتسب سمعة طيبة في قدرته على التدخل الفعال في أوقات الأزمات، لا سيما في الحفاظ على توازن الأسواق وحماية التجارة الداخلية من أي تهديدات قد تزعزع استقرارها مثلما تعاني منها نيجيريا الأونة الأخيرة .
وفي سياق متصل، تُعد التجربة المصرية في مجال النقل والبنية التحتية تجربة رائدة، حيث تجسد الإنجازات والمشروعات العملاقة التي تم تحقيقها في مصر خلال العقد الماضي التطور والتقدم الذي يتماشى مع مكانة مصر الدولية والإقليمية, ويُظهر ذلك بوضوح من خلال تقدم مصر بمقدار 100 مركز في الترتيب العالمي لمؤشر جودة الطرق، حيث احتلت المركز 18 عالميًا خلال عشر سنوات. بالإضافة إلى ذلك، تقوم الشركات المصرية بتنفيذ العديد من المشروعات في مجال الطرق والبنية التحتية في الدول العربية والإفريقية. على سبيل المثال قام وفد من هيئة الطرق والكباري والشركات المصرية بزيارة العاصمة السيراليونية فريتاون هذا الشهر، للتنسيق والاتفاق مع الجانب السيراليوني على مشروعات الطرق التي تحتاج إلى توسعة ورفع كفاءتها، بالإضافة إلى المشروعات الجديدة المطلوب تنفيذها.
ختاماً، يُرى أن مصر تواصل تعزيز حضورها الفاعل على الساحة الإفريقية من خلال تقديم الدعم والمساندة في مجالات حيوية متعددة. من مكافحة الإرهاب وحفظ الأمن، إلى تطوير البنية التحتية وحماية التجارة الداخلية، وتبرز القاهرة كشريك استراتيجي يُعتمد عليه في مواجهة التحديات المشتركة التي تواجهها دول القارة. وإن هذه التحركات ليست مجرد خطوات لتعزيز مكانة مصر فحسب، بل هي تعبير عن التزام عميق تجاه القارة الإفريقية ورغبة في بناء مستقبل مشترك يقوم على أسس الاستقرار والتنمية المتوازنة. من خلال هذه الجهود المتكاملة، تستعيد مصر دورها الريادي كقوة إقليمية قادرة على قيادة وتحفيز التعاون الإفريقي في سبيل تحقيق التقدم والازدهار.