فريد عبد الوارث يكتب: السعودية.. حياة الماعز و هيئة الترفيه
ألغت السعودية هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و استبدلتها بما ظنت _ وبعض الظن إثم _ أنه لغة العصر و إعلان التمدين و هي هيئة الترفيه التي ترأسها تركي آل الشيخ و أنفق عليها مليارات الريالات من أموال النفط في محاولة مستميته لتغيير الصورة النمطية السائدة عن المملكة.
حاول آل الشيخ استقطاب و شراء التراث العربي كله و خاصة المصري حتى أنه صنع أهرامات تشبه أهرامات الجيزة! كما أنه كان سخياً جداً في جذب الفنانين و الراقصين لمسارح المملكة، و نسي أن التاريخ لايباع و لا يشترى و أن الثقافة و التراث نتاج عشرات السنين من العمل و الفكر، و أن الأموال لا يمكن أن تجعلك صاحب حضارة حتى و إن كانت بعدد كل لتر بترول في باطن الأرض.
ألقت السعودية ردائها الإسلامي الذي يميزها و يضعها في مقدمة العالم الإسلامي و استبدلته بموسم الرياض الفني لعرض كل ما هو مبتذل و رخيص!! و حاول طال عمره أن يخاطب الغرب ليرضى عنه بلغة التمدين و الفنون و الرياضة منفقاً مليارات لا حصر لها على شراء اللاعبين، و غاب عنه أن إنفاق تلك الأموال الطائلة كان كفيلاً بإعادة دول كثيرة للحياة مثل الصومال و سوريا و اليمن و... و..
و بينما يتخيل أولئك القابعين في قصورهم بممالك العنكبوب أنهم قد وصلوا لمرحلة الحضارة الحديثة و الاتساق مع الفكر العالمي الحالي من تسيب و انحلال أخلاقي، إذا بمخرج و ممثل و منتج يضربون بكل ذلك عرض الحائط و يمسحون كل ما تم رسمه خلال السنوات الأخيره بعمل فني بسيط و بضعة آلاف من الدولارات و إنتاج الفيلم الذي أثار جدلاً واسعاً حول العالم " حياة الماعز "!
لم يكن مجرد فيلماً سينمائياً بل كان بمثابة زلزال كشف الظلم السائد في المملكة لكل المغتربين عبر نظام" الكفيل"، هاجت الدنيا عليهم و انتقدتهم كافة القنوات و أصبح الفيلم مشكلة عويصة لا يعرفون كيفية التعامل معها.
إذن فيلم سينمائي يهز عرش المملكة و يعري قادتها و يكشف مدى هشاشة النظام الاجتماعي بداخلها و يروي الفيلم الذي طرح قبل فترة على منصة نتفليكس، قصة حقيقية لعامل هندي يُدعى "نجيب" الذي انتقل في بداية التسعينيات إلى السعودية بحثًا عن فرصة عمل، لتتشابك الأحداث بعد أن وقع تحت رحمة رجل زعم أنه كفيله ثم اقتاده إلى الصحراء ليرعى الأغنام في ظروف قاسية على مدى 3 سنوات.
و في النقاش الدائر حول الفيلم على مواقع التواصل برز فريقان، الأول احتفى بالعمل باعتباره "عملا فنيا نجح في تسليط الضوء على مشكلات حقيقية تستدعي الإصلاح منها نظام الكفالة"، في حين رأى الفريق الثاني أن الفيلم "تقصد الإساءة لدول المنطقة وبأنه سقط في فخ التعميم والتحيز".
فهل تتخطى المملكة أثار الفيلم أم أنها ستقع في الفخ و تعاقب كافة العمالة الهندية على أراضيها مما سيمثل مشكلة سياسية كبرى لممالك العنكبوت؟