عبدالحى عطوان يكتب: بنات الشيخ مصباح
ذاع صيته بالتقى، فقد كانت نبرته الواثقة، وكلماته الصادقة وعيناه المتقدان ذكاءًا وحماسًا تفرض انطباعًا فروسيًا عنه، يحتل سكنات القلب لمتحدثيه، فقد اتخذه العديد من مريديه شيخًا لهم، جعل من أسرته حصنًا منيعًا، فقد أنجب بنتين وذكرًا، كانت الكبرى خطواتها تهتز لها الأرض، تتمايل فترفرف خصلات شعرها كأعواد الريحان، عيناها تشعان بريقًا ذهبيًا كنسائم الشمس عندما تميل للغروب تخطف الأنظار أينما حلت، فقد لقبت بالفاتنة.
لم تشعر هاجر بالضجر من الأيام، أو ينتابها الفتور أو يتسرب إلى حياتها الاستسلام والضعف كأختها شيماء، رغم أنها الكبرى بفارق 5 سنوات، فقد كانت مفعمة بالحيوية، لم تدع فجوة الصمت تتسرب إلى نفسها ويصبح عمرها مجرد رقم ماض في الحياة، فقد دأبت أن تشعر بقيمة نفسها وسعادتها، ولا تنجرف إلى دوامة الملل القاتل، لتكون كآلة تتنفس فقط لتعيش أو تحيا، بينما الأخت الأصغر شيماء منذ طفولتها متقوقعة حول ذاتها منطوية، كانت الأيام لها بمثابة عداد يغلب عليه النمطية التى يكسوها الخوف والقلق المتملك من زمام الحياة حتى بات يراودها إحساسًا كامنًا تملك منها، بأن حريتها مفقودة وكأنها مقيدة بسلاسل،ما أدى إلى اضطراب نفسي ظل يتفاقم بداخلها ويبعدها عن الكل حتى أصبحت حبيسة الجدران الأربعة لغرفتها.
عاشت هاجر منذ التحقت بالتعليم داخل أحلامها، بأن تصبح طبيبة مشهورة يشير إليها الجميع بانبهار مسلطًا عليها الضوء، فقوامها الممشوق وأناقتها، وطريقة حوارها واجتماعيتها جعل منها شخصية طبيبة الغلابة قبل تخرجها، بينما ظلت شيماء مقيدة داخل رغباتها المكبوتة بأعماقها، فرغم اجتيازها لكلية الهندسة وتخرجت من قسم الهندسة المعمارية وبدلًا من أن تلتحق بالعمل عادت منطوية فاقدة للتوازن لا تملك من تلابيب الحلم أطرافه، فقد كان شتان بين الأختين، حتى في تعامل الأهل معهما، فإذا تحدثت هاجر أنصت إليها الجميع، مقبلين على حوارها لنضجها وثقافتها ورؤيتها للأمور، بينما دائما ما ينصرفون عن أحاديث شيماء، لانفعالاتها المتسرعة وحبها الزائد لإعطاء الأوامر دون نقاش.فقد كانت شخصية ضعيفة أمام النار المتأججة بصدرها، قابلة للانفجار فى اى لحظة.
وفى صباح أحد الأيام بينما كانت هاجر تستعد لمغادرة غرفتها للذهاب لعملها بالمستشفى القروي، الذي عينت به منذ تخرجها، سمعت أصواتًا وتاوهات من غرفة شقيقتها شيماء لم تعتاد عليها، فدفعت الباب مسرعة لاستطلاع الأمر وللاطمئنان عليها فوجدتها تعض فى ملابسها ممسكة ببطنها ملقاه على الأرض تصرخ بأنفاس مكتومة من شدة الآلام.
فأسرعت هاجر في محاولة أن ترفع جسد شقيقتها على السرير مع صراخها على أمها ووالدها الشيخ مصباح لإنقاذها، وخلال دقائق معدودة طار بها الجميع إلى المستشفى الحكومى القابع في أطراف المدينة، حيث كانت تحتضنها الأم بينما هي طوال الطريق تراقب الجميع بعينيها الذابلتين كشمعة احترقت فتساقطت كتلتها المنصهرة، ومع الألم الذى انفجر للمرة الأولى أغشي عليها ودخلت في غيبوبة تجمدت خلالها قدماها، وتكبلت أعضاؤها مع خفقان القلب وعلى السرير المتحرك بالاستقبال كانت النظرة الأولى للطبيب الوحيد الذى يمارس الكشف على الجميع، كأنه متخصص فى علاج كل الأمراض مقلقة للجميع، حيث بدت الدهشة تنتاب ملامحه والعرق يتصبب من جبينه، وقبل أن يطلب نقلها للعناية، بادره الأب متسائلًا عما أصابها وقبل أن يجيب الطبيب كانت المفاجأة