محمود سامح همام : دور الذكاء الاصطناعي في الحوكمة والادارة العامة ( موريشيوس نموذجاً )

في العقدين الأخيرين، شهدنا تطوراً هائلاً في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي أصبح يشكل جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية. يمتد تأثير هذا التطور إلى مجالات عدة، منها الحوكمة والإدارة العامة. تتضمن الحوكمة استخدام تقنيات متقدمة لتحسين عمليات صنع القرار، زيادة الشفافية، وتعزيز الكفاءة في إدارة الشؤون العامة. ومن بين البلدان التي تسعى لاستغلال هذه التقنيات لتحقيق أهدافها، تبرز موريشيوس كنموذج ملهم في تبني الذكاء الاصطناعي كأداة لتحسين الحوكمة.

تعتبر موريشيوس واحدة من الدول التي تشهد تحولات ملحوظة في كيفية إدارتها للأمور العامة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي. حيث تسعى الحكومة الموريشية إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز كفاءة الخدمات العامة، تحسين الشفافية في الإجراءات الحكومية، وتحقيق التنمية المستدامة. في هذا السياق، يتم تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجموعة متنوعة من المجالات، بدءاً من تحليل البيانات الضخمة لتطوير سياسات أكثر فعالية، وصولاً إلى تطبيقات تتعلق بخدمات المواطنين وتحسين جودة حياتهم، مما جعلها تحتل المركز الاول وفقاً لتقرير مدى استعداد حكومات العالم لتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لعام 2022، 

تعد هذه المبادرات في موريشيوس مثالاً على كيفية استفادة الحكومات من الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهدافها الاستراتيجية وتحسين أداء المؤسسات الحكومية.
وفي سياق متصل، حافظت موريشيوس باستمرار على مكانتها ضمن البلدان الأفضل أداء في المؤشرات العالمية مثل مؤشر الحوكمة الإفريقي الذي احتلت فيه المركز الأول بين 54 دولة إفريقية، كما احتلت قمة مؤشر تقرير التنمية البشرية الإفريقي بينما احتلت المركز 63 على المستوى العالمي وسجلت أداء أعلى بكثير من المتوسط الإفريقي العام.
 
كما تشتهر بورت لويس بتصدرها تصنيف البنك الدولي باعتبارها أسهل دولة إفريقية يمكن ممارسة الأعمال فيها، وعلى المستوى العالمي نالت في آخر تقرير لتسهيل ممارسة الأعمال الذي أصدره البنك تصنيفا عند رقم 13 بين نحو 190 اقتصادا يقوم البنك بتصنيفها. ويصنفها بنك التنمية الإفريقي على أنها الأكثر قدرة على المنافسة في القارة.

ختاماً، يتضح لنا ان هذه التقنية تمثل تحولاً جذرياً في كيفية إدارة الشؤون العامة وتعزيز كفاءة المؤسسات الحكومية. أثبتت موريشيوس قدرتها على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق تحسينات ملموسة في مجالات متعددة، بدءاً من تقديم الخدمات العامة وحتى تعزيز الشفافية وتطوير السياسات.

وتجربة موريشيوس تقدم دروساً هامة للبلدان الأخرى التي تسعى إلى تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. من خلال هذا النموذج، يمكننا استشراف كيف يمكن لتكامل الذكاء الاصطناعي مع السياسات الحكومية أن يساهم في تحسين الأداء الإداري وتقديم حلول مبتكرة للتحديات المعقدة التي تواجهها الحكومات الحديثة.

على الرغم من التحديات التي قد ترافق تطبيق هذه التكنولوجيا، مثل قضايا الأمان وحماية البيانات، إلا أن الفوائد المحتملة تبقى هائلة. يتطلب النجاح في هذا المجال رؤية واضحة، استراتيجيات مدروسة، والتزاماً بالتطوير المستمر. وبالتالي، فإن تجربة بورت لويس تظل مثالاً ملهمًا يمكن الاستفادة منه لتوجيه الجهود نحو تحقيق إدارة حكومية أكثر ذكاءً وكفاءة، مما يساهم في تحسين حياة المواطنين وتعزيز التنمية المستدامة.