محمود سامح همام يكت : دوافع الاهتمام التركي بالنيجر
تتمتع انقرة بسياسة خارجية براجماتية وديناميكية نشطة تهدف الى تعزيز مكانتها الأقليمية والدولية بالإضافة الى تحقيق مصالحها الوطنية، وتعكس اهداف السياسة الخارجية التركية في العقد الأخير تحولات جيوسياسية هامة في العقد الأخير، ولعل القارة السمراء نالت اكبر قدر من اهتمام الحكومة التركية، حيث اتخذت انقره مواقف وادوار مستقلة نشطة في القارة، ويبرز ذلك في التقارب التركي لنيامي، حيث تطرح المتغيرات في العلاقات التركية النيجرية جملة من التساؤلات لعل ابرزها بشأن لماذا تحظي النيجر باولوية في اجندة صناع السياسة الخارجية التركية ؟
بدايةً، تواجه تركيا تحديات كبيرة فيما يتعلق بتلبية احتياجاتها من النفط ومصادر الطاقة، باعتبارها دولة قليلة الإنتاج في هذا الشأن، وتعتمد انقرة بشكل كبير على الاستيراد وذلك لتغطية ما يقارب ٩٠٪ من احتياجاتها من النفط ومصادر الطاقة، هذا الاعتماد الكبير يضع تركيا تحت ضغط متزايد، وعلى غرار هذه الظروف، أصبحت تركيا تولي اهتماما خاصاً للدول الغنية بالموارد ومصادر الطاقة مثل النيجر، حيث تتمتع النيجر بثراءٍ في النفط ومصادر الطاقة وتنوع في الموارد الطبيعية، فحسب تقارير اقتصادية دولية لعام ٢٠٢٣م، أسهمت النيجر في انتاج 5% من الإنتاج العالمي لليورانيوم، حيث بلغ انتاجها لما يقارب ٢٠٢٠ طن من اليورانيوم، وذلك جعل من نيامي رابع اكبر منتج في العالم من حيث احتياطات اليورانيوم وسابع اكبر منتج لليورانيوم في العالم، بينما يمكننا تسليط الضوء على الذهب الذي يأتي فالمرتبة الأولى في صادرات النيجر، ووفق لتقرير البنك الافريقي لعام ٢٠٢٢م، قامت نيامي بتصدير ما قيمته ٢,٧ مليار دولار من الذهب، وذلك ما جعلها المصدر رقم (٢٩) للذهب في العالم، ولعل انقرة كان لها نصيب أساسي من وجهة تلك الموارد حيث صُدر لها من نيامي (٧,٦٥) مليون دولار، استكمالاً، تمتلك النيجر مناجم ضخمة من المعادن كالحديد والفوسفات والنحاس، كما تحظى نيامي باحتياطات هائلة من النفط ، حيث تبلغ الطاقة الإنتاجية الحالية للنيجر 30 الف برميل كل يوم، بينما تُقدر احتياطات النيجر من الغاز بنحو 34 مليار متر مكعب، بالأضافة الى حجر الزاوية في اقتصاد النيجر وهي الثروة الحيوانية التي تقدر قيمتها نحو 10 مليار دولار، كل تلك إحصاءات تجعل تركيا تحاول جاهدة لجعل نيامي شريكاً لتعزيز أمن الطاقة في انقرة.
وفي سياق متصل، تقع النيجر في منطقة الساحل الافريقي، وتقتظ بجماعات إرهابية نشطة مثل بوكو حرام والقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) وغيرها من الحركات المتطرفة، مما يجعل النيجر تعاني باستمرار من تهديدات امنية بالغة، مما يسمح لتركيا للتعاون مع النيجر تحت عباءة مكافحة الإرهاب وتقديم الدعم العسكري والتدريب، وعلى غرار ذلك ورغم نفي وزارة الخارحية التركية أرسلت تركيا حتى وقتنا الراهن مرتزقة سورية مكونة من ١١٠٠ مقاتل مواليين لتركيا لحماية المصالح الاستراتيجية التركية في النيجر وبسط نفوذ انقرة هناك، بالإضافة الى أن تعزيز الوجود العسكري في النيجر يمنح انقرة تفوقاً جيوسياسياً هاما بمنطقة الساحل التي تربط بين شمال القارة وغربها ووسطها، استكمالاً، تسعى انقرة الى تعزيز تصدير صناعاتها العسكرية المحلية والتكنولوجيا الى النيجر [8]، وحتى وقتنا الراهن نجحت تركيا في تحقيق ذلك، حيث على اثر اخر زيارة رسمية لرئيس وزراء النيجر إلى انقرة في فبراير ٢٠٢٤م ، تم الاتفاق على تزويد تركيا لنيامي بالطائرات المسيرة وغيرها من الاتفاقيات الأمنية والبروتوكولات العسكرية بين البلدين، علاوة على ذلك ومع خروج فرنسا من النيجر على أثر الانقلاب، تجد انقرة فرصة لتعزيز وجودها الأمني والعسكري في البلاد دون مواجهة معارضة قوية من القوى الدولية الأخرى. وهذا الفراغ يمكن أن تستغله أنقرة لتعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية وتقديم نفسها كشريك إقليمي موثوق به للحكومة الجديدة في نيامي.
في الختام، يظهر التوجه التركي نحو تعزيز العلاقات مع النيجر كخطوة استراتيجية متعددة الأبعاد، تتماشى مع أهداف تركيا في تعزيز نفوذها الإقليمي وتوسيع حضورها الدولي. من خلال استثمارها في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، تسعى تركيا إلى إقامة شراكة طويلة الأمد تساهم في تحقيق مصالحها وتعزز استقرار المنطقة. إن هذه الدوافع تعكس طموحات تركيا في بناء شبكة تحالفات متينة تسهم في تعزيز دورها على الساحة العالمية، مما يبرز أهمية هذا التقارب في سياق العلاقات الدولية المعاصرة.