محمود سامح همام : ما وراء الاتفاقية الاقتتصادية الشاملة للامارات مع موريشيوس
في وقتنا الراهن، تسعى الدول إلى توسيع نطاقها الجيوسياسي وزيادة تجارتها الحرة في كل بقاع العالم لتحقيق مصالحها الوطنية وتعزيز مكانتها الدولية، ويتمثل التوسع الجيوسياسي في زيادة النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي في مناطق جديدة، مما يمكنها من الوصول إلى الموارد الطبيعية، وحماية أمنها الوطني، وتعزيز تأثيرها في الشؤون العالمية. على الجانب الآخر، تهدف الدول إلى تعزيز التجارة الحرة من خلال إبرام الاتفاقيات التجارية، وتحسين البنية التحتية، وتنويع الأسواق، مما يسهم في زيادة النمو الاقتصادي وتحقيق رفاهية شعوبها. ورغم الفوائد الكبيرة لهذه الاستراتيجيات، تواجه الدول تحديات مثل الصراعات العسكرية والتبعية الاقتصادية والتحديات البيئية، مما يتطلب تخطيطًا دقيقًا واستراتيجيات مستدامة لتحقيق أهدافها، وفضلاً عن ذلك تنفيذ السياسات المتعلقة بتحقيق اهداف التنمية المستدامة.
وفي سياق متصل، قامت حكومة الامارات العربية المتحدة بتاريخ ٢٢ يوليو ٢٠٢٤ بعقد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع جمهورية موريشيوس، مما يشكل حقبة جديدة في شكل العلاقات بين البلدين من تنمية وتعاون مشترك، بالإضافة الى زيادة تدفق التجارة الحرة والاستثمارات بين الدولتين، ولكن هذه الشراكة الإماراتية مع بورت لويس تجعلنا نطرح جملة من التساؤلات بشأن ما اسباب توجه انظار أبو ظبي نحو تلك الجمهورية الصاعدة؟
بدايةً، تتميز جمهورية موريشيوس بموقع متميز في المحيط الهندي، جعل منها نقطة اتصال لوجستية بين البر الرئيسي لإفريقيا وآسيا، كما أنها لم تكتفي باستغلال موقعها المتميز كواجهة سياحية للأجانب وشواطئها الخلابة وانتاجها التقليدي للسكر وغيرها من المنتجات البدائية، لكنها سعت الى أن تصبح مركزاً تجاريا واستثمارياً على الصعيد الإقليمي والدولي للمستثمرين العالميين باعتبار نفسها قاعدة هامة في افريقيا تربط بين قارتي العالم الثالث، وارتباطاً بذلك اتبع صناع السياسة الخارجية لبورت لويس بعض من الاليات لتحقيق ذلك، ففي غرار الثلاثة عقود الماضية قامت حكومة موريشيوس باجراء اصلاحاً شاملاً لقوانين الضرائب في البلاد بخفضها لكي تصبح وجهة جذابة للشركات العالمية الاستثمارية من افريقيا وآسيا، وتلك الإستراتيجية حققت لها ازدهاراً بيناً على خريطة الاقتصاد العالمي، وتتميز موريشيوس باقتصاد واعد من الأكثر ازدهاراً في افريقيا اذ حققت مرتفعاً نحو ٨,٥٪ في ناتجها المحلي الإجمالي لعام ٢٠٢٢، وسُجل كاسرع نمو اقتصادي منذ ٣٥ عاماً، بالإضافة الى الدور الهام الذي يلعبه القطاع الصناعي الدولة من صناعات المنسوجات والهندسة الخفيف الذي يسهم في استمرار نموها الاقتصادي،
استكمالاً، لما اسُتدل به من دلالات على الاقتصاد المرن لجمهورية موريشيوس، اشتهرت الدولة بتصدرها تصنيف البنك الدولي باعتبارها اسهل دولة افريقية يمكن ممارسة الاعمال فيها، بينما على الصعيد العالمي نالت في اخر تقرير لتيسير الاعمال الذي أصدره البنك تصنيفاً عند رقم ١٣ من بين ١٩٠ اقتصاداً يقوم البنك بتصنيفها، أما على الصعيد الإقليمي يصفها بنك التنمية الافريقي على أنها الأكثر قدرة على المنافسة في القارة السمراء، وفي سياق متصل استطاعت بورت لويس المحافظة باستمرار على مكانتها ضمن البلدان الأفضل في المؤشرات العالمية، منها مؤشر الحوكمة الافريقي الذي تصدرت به المركز الأول بين ٥٤ دولة افريقية، بالاضافة الى احتلالها قمة مؤشر تقرير التنمية البشرية الافريقي، كما تمكنت من تسجيل أداء اعلى بكثير من المتوسط الافريقي العام.
في الختام، تؤكد الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات العربية المتحدة وموريشيوس على العوائد الضخمة التي يمكن تحقيقها من خلال التعاون الاستراتيجي بين البلدين. حيث تعتبر موريشيوس أرضًا خصبة للاستثمار والتجارة الحرة، بفضل موقعها الجغرافي الفريد كبوابة للأسواق الإفريقية وآسيا، ودورها كنقطة استراتيجية لوجستية هامة في المنطقة. من خلال هذه الشراكة، يمكن للإمارات وموريشيوس تعزيز الروابط الاقتصادية وتطوير مشاريع مشتركة تسهم في تنويع مصادر الدخل وتحقيق النمو المستدام. وإن هذه العلاقة ليست مجرد تعاون اقتصادي، بل هي شراكة شاملة تعزز من التبادل الثقافي والاجتماعي وتدفع نحو مستقبل أكثر ازدهاراً واستقراراً لكلا البلدين.