حقك عليه يارب
ضاق على الخناق ، وأحكمت ربطة الحبل على رقبتى ، وظللت معلقه بالكاد تلمس أطراف أصابع قدمى كرسى خشبى .. ذلك الذى كنت أسحبه بلهفه كل يوم وأجلس بطرفه لا أعتدل إلا بعد الانتهاء من كتابتى ،وصب كل مشاعرى وما يختلج بعقلى ،يحتوينى من أم رأسى لأخمص قدمى ، ألقى برأسى على مسنده الخلفى لأتنفس الراحة ، واستشعر لحظات تفريغ المشاعر.. ما أحلاها لحظات! ، تحلق بى للغوص فى معتقدات وأفكار وعوالم واسترجاع ذكريات ، وتلضيم كلمات واسترسال جمل وما أن تكتمل انفعالاتى، يلفظنى ظهر الكرسى للاعتدال وانتصاب ظهرى وانحناءه رأسى قليلا لأصب ما برز من أفكار ، فأملأ ساحاتى بالمكنون المنفرد ، ولما يرتخى رأسى على صدرى من شده التعب ، يظل الكرسى متمسكا بنصفى الأسفل يثبتى فى قاعدته لكى لا أقع ، ويدعنى فى أحضان الراحة قليلا ، حتى أفيق وأعاود الكارة مرات ومرات ، لطالما دفعنى لأصنع أسما ومكانا فى هذا البقعة الصغيرة من العالم ،هكذا بدأ معى حياتى وهكذا ينهيها بكل ثبات وحكمه،مؤكدا أن كل ماحدث كان باختيارى وأوامرى ، وأنه مجرد خشبه مسرح لممثل مبتدأ ساعده على الاتزان ، التواصل ، الصمود حتى حصل على "سوكسيه" الجمهور الذى أثار غيرة زملائه المحترفين ، فوقع فى شرك المقاومة والتحدى وكثرت مهامه فى تصدى الذلات، والخروج عن النص ،محاولا ألا يلفظه المسرح ، لم أشفق على ذلك الكرسى الذى منحنى أحلام وحققها لى ، لم أتروى لأسمع رأيه فى اختيارى الأخير ، لم أبالى بمشاعره بعد فقدى ..من سيعتنى به مثلى ويتلهف للجلسه معه ،ويمنحه الفرصه لمساعدته والاستلقاء باسترخاء والصمت التام حتى ينتزع افكارا اختبأت فى أغوار روحه ، من يشعر به وهو وحيد بانتظارى .. حيث لن آت ؟ من يدسه آخر الليل برفق فى فتحه المكتب المصنوعه خصيصا لراحته ، من يلمس مسنده بخفه بنقرة الاصابع التى تفكر إياب وذهاب ، حتى يقشعر مسنده ويتلامس مع أحد الافكار التى تقفز فجأه ، فيستدير على الفور فى وضعية العمل ويبدأ صب الأفكار ، لماذا تجاهلت مشاعره عندما سلبته عمله الاساسى وجعلته مجرد نصب تذكارى شاهدا على عجزى فى الأريكه المقابله؟ ثم اخترت أن أنهى حياتى به ولأجل عجزى عن الجلوس عليه مرة أخرى .. كم أنا قاسيه !.
لا .. كم أنا نمروده .. رغبت ان أنهى حياتى هكذا دون استئذان ولا اعتذار لمالكها ، لماذا تبجحت هكذا وسمحت لنفسى أن تخون الأمانه ؟ ما الذى أضعف روحى الى هذا الحد لأدع ذلك الخناق يكمل لفته برحابه وسلاسه على رقبتى دون أن أفلفص وأتلوى وأقاوم ؟ ما هو حجم الثقل الذى " خدل" ذراعاى وأضعفهما ومنعهما من المقاومة ؟ أنه بدون مبالغه مجرد حيوان مفترس تسلل الى روحى ونهش بها ،يتلذذ يوميا أن يلتهم قطعه طازجة حسب ما يشتهى فأطباقه متعدده من كلى ورئه وطحال وامعاء ،ويحبس وجبته بعصير دماء وألبومين الكبد، ذلك النوع النادر من العصائر ، ولا يتوانى عن "تكحيت" الجلد وفروة الرأس فما ألذها تلك الطبقات الخارجية المحمصه ،فيقضى – كما يقولون – على الجلد والسقط ، وعندما يمتلأ جوفه وينهار تعبا من الشبع ، مستصعبا فكرة انتهاء الوليمه ، يتسلى بمصمصة عظامى واسنانى و يقرضها وربما تنكسر أحدها او تتآكل فيستلذ بطيب سكرها ، ويتلذذ كثيرا اذا ما عثر على " قرقوشه " أحد المفاصل الدقيقه أو الكبيرة .. وماذا بعد ؟
هو فى النهاية مجرد حيوان أنثى الذئب الأكثر ضراوة وتوحش وذكاء وقوة ، لماذا اعتبرها مرض كائن متطفل ،و بدلا من تسميم وجبتها استسلم لها ؟ كيف سمحت لها أن تبعد بينى وبين الله مهما زاد على الألم ..وأفكر فى اختيارات ليست من حقى ..حقك عليه يارب
لم أكن أدرى حجم ما منحتنى من نعمة فى المرض .. فهو على الأقل جعلنى أحج إليك فى ألمى، وسأظل منتظرة حجتى اليك فى تعافيا .