أوكرانيا تصطاد القاذفات الروسية في عقر دارها

في ساعة متأخرة من مساء السبت، 31 مايو 2025، شهدت الحرب الروسية الأوكرانية تحوّلاً نوعيًا، قد يغير مسار الصراع العسكري والسياسي معًا. نفّذت أوكرانيا عملية جريئة ومعقدة، وصفت بأنها الأكبر منذ بداية الحرب، تحت الاسم الرمزي "شبكة العنكبوت". استهدفت العملية العمق الروسي مباشرة، حيث تم تدمير أكثر من 40 طائرة عسكرية، بينها قاذفات استراتيجية تُعدّ رأس الحربة في الترسانة الجوية الروسية.
■ العملية: دهاء في التنفيذ... ووجع في النتائج
الهجوم لم يكن تقليديًا. لم تستخدم أوكرانيا طائراتها المقاتلة ولا صواريخها الموجهة. بل اعتمدت على تكتيك ذكي باستخدام 117 طائرة مسيرة مفخخة، أُخفيت داخل حاويات خشبية، تم نقلها إلى محيط القواعد الجوية المستهدفة داخل روسيا. عند انطلاق العملية، فُتحت هذه الحاويات عن بُعد، وأُطلقت الطائرات في وقت متزامن نحو أهداف محددة.
القواعد التي طالها الهجوم ليست عادية، بل تشمل قواعد تُطلق منها روسيا صواريخها العابرة للقارات وقاذفاتها بعيدة المدى، مثل "دياغيليفو"، "إيفانوفو"، "أولينيا"، و"فوسكريسينسك"، وهي مواقع تعتبرها موسكو ضمن دوائرها العسكرية الأكثر أمانًا. ومع ذلك، اخترقت "شبكة العنكبوت" هذه الحصون بمرونة قاتلة.
■ الخسائر الروسية: ضربة لمعنويات بوتين
تُقدّر الخسائر الروسية بأكثر من 7 مليارات دولار، وتضمّن الهجوم تدمير طائرات من طراز Tu-160 وTu-95، إضافة إلى طائرات الإنذار المبكر A-50. ورغم أن موسكو لم تعلن كامل التفاصيل، فإن اعتراف وزارة الدفاع الروسية بالهجوم ووصفه بـ"العمل الإرهابي" يحمل دلالات لا تخطئها عين.
بالنسبة لأوكرانيا، فإن هذا الهجوم يُعدّ انتصارًا معنويًا هائلًا. ففي الوقت الذي تعاني فيه كييف من نقص في الذخيرة والرجال، تقدم عملية "شبكة العنكبوت" رسالة واضحة: "نحن نملك القدرة على الرد في العمق، ولسنا في موقف الدفاع فقط."
■ التوقيت: رسائل صامتة قبل مفاوضات إسطنبول
تأتي هذه الضربة قبيل انطلاق محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا في إسطنبول، والمقررة خلال أيام. العملية تبدو كمناورة سياسية بقدر ما هي عسكرية. وكأن كييف أرادت أن تدخل غرفة التفاوض من موقع قوة، تُظهر فيه أن المعادلة ما زالت قابلة للتغيير، وأن الحرب لم تُحسم بعد، رغم التقدم الروسي على الأرض في مناطق مثل خاركيف وسومي ودونيتسك.
■ ما بعد "شبكة العنكبوت": من يملك زمام المبادرة؟
المفارقة أن هذه الضربة قد تعيد الروس إلى مربع الحذر، لا سيما في ظل تزايد الضغوط الاقتصادية الداخلية، واحتمالية اتساع جبهة المعارضة لحرب تُكلّف البلاد مليارات الدولارات وأرواحًا لا تُحصى.
ورغم احتمال رد روسي عنيف، إلا أن أوكرانيا نجحت - ولو مؤقتًا - في كسر وهم الحصانة الجغرافية، وإثبات أن الحرب لم تعد تُدار فقط من على خطوط الجبهة، بل من خلال عقول تخطط وتبتكر وتغامر.
في النهاية، تبقى الرسالة الأهم من "شبكة العنكبوت" أن الحرب دخلت مرحلة جديدة، عنوانها: "لا مكان آمن في الحرب الطويلة.