فريد عبد الوارث يكتب: دار بن لقمان على حالها والقيد باق والطواشي صبيح
يرى بعض المؤرخين أن التاريخ دائما ما يعيد نفسه حتى و إن اختلفت المقدمات ، لكنها تبقى النتائج المرجو تحقيقها و احدة ، و كأننا نعيش عصر الحملات الصليبية بكل أحداثه و أدواته و خططه ، غير أنها تناسب أدبيات عصرنا الحديث ، لكن جوهرها هو بلاد المشرق و ثرواتها _ بالأمس كان لبنها و عسلها _ و اليوم بترولها و أنهارها و أراضيها !
و لعل أبلغ رسالة يمكن إرسالها لرئيس فرنسا الماكر " ماكرون " الذي حرك حاملة الطائرات إلى شرق المتوسط هي تذكيره بما حدث لملك فرنسا لويس التاسع الذي قاد الحملة الصليبية السابعة للاستيلاء على مصر التي كانت_ و مازالت _ تمثل العقبة الكبرى في طريق إسترداده لبيت المقدس، حيث تجمعت جيوش الحملة في قبرص في ربيع عام 1248م و منها انطلقوا الى بر مصر و توغلوا في العمق المصري، إستدرجهم المصريون الى منطقة المستنقعات و الوحول بالقرب من المنصورة و انقضوا عليهم بعد أن أحاطوا بهم من كل جانب، بلغ عدد قتلاهم في هذه المعركة ثلاثين ألفا مما أجبر " لويس " على التسليم و طلب الأمان لنفسه و لمن بقي معه من جيشه، فأجابه المصريون إلى الأمان الذي طلب و أخذوه أسيراً مكبلاً بالحديد إلى دار إبراهيم بن لقمان قاضي المنصورة، و أشترط المصريون لإطلاق سراحه و باقي الأسرى تسليم دمياط، و جلاء الحملة عن مصر، و دفع فدية كبيرة قدرت بعشرة ملايين فرنك، لم يكن أمام لويس إلا الإذعان فافتدى نفسه و بقية جنده، خلال مدة سجنه كان حارسه النوبي الطواشي أبو المحاسن جمال الدين صبيح يجلده كل يوم بالسوط نظير ما فعله هو و جنوده، كان لويس ينتظر بفارغ الصبر أن يتم دفع الفدية لكي يخرج و يـُرحم من عذاب الجلد على يدي الطواشي صبيح الجبارتين .
و بعد ثلاثين يوماً دُفعت الفدية و عاد لويس إلى بلاده، بعد عدة سنوات فكر في العودة إلى مصر مرة أخرى بجيش جرار لينتقم من الجيش المصري الذي هزمه في المنصورة، و علم بذلك الشاعر المصري جمال الدين يحيى بن مطروح، الذي شارك في قتاله مع الملك الصالح أيوب، فكتب إلى لويس قصيدة محذراً اياه من المجيء إلى مصر مرة أخرى قال فيها :
قل للفرنسيس إذا جئته
مقال حق عن قؤول فصيح
أتيت مصر تبتغي ملكها
تحسب أن الزمر يا طبل ريح
فساقك الحين إلى أدهم
ضاق به عن ناظريك الفسيح
وكل أصحابك أودعتهم
بحسن تدبيرك بطن الضريح
خمسون ألفاً لا يرى منهم
إلا قتيل أو أسير جريح
وقل لهم إن أضمروا عودة
لأخذ ثأر أو لقصد قبيح
دار بن لقمان على حالها
والقيد باق والطواشي صبيح