أسباب ظاهرة تفشي الطلاق للاستاذ الدكتور بدوي فوزي
اسباب ظاهرت تفشي الطلاق للعلامة المحدث
الاستاذ الدكتور "بدوي فوزي محمد "
استاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين والدعوة باسيوط
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمي الأمين وبعد فظاهرة تفشي الطلاق في الوقت المعاصرة أصبحت ظاهرة فريدة من نوعها تحتاج إلى وقفة متأنية من كل الأفراد والمجتمعات والمؤسسات للحد من انتشارها لا سيما في هذا العصر وقبل الحديث عن أسبابها لا بد أن أبين شيئًا مهمًا وهو الحديث عن الأسرة المسلمة اللبنة الأولى للمجتمع وعليها يقوم التي عدها الإسلام قائمة على العهد والميثاق المؤبد بين الزوجين كما في قوله تعالى: ((وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ))والمراد بالميثاق الغليظ الذي أخذ: كلمة النكاح المعقودة على الصداق، والتي بها تستحل فروج النساء، ففي صحيح مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: "استوصوا بالنساء خيرا فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله" وجعلها سبحانه وتعالى مودة ورحمة ولم يجعلها شقاقا وفرقة قال تعالى في سورة الروم :((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)) وحتى تدوم العشرة والألفة بين الزوجين دعا إلى حسن الاختيار بينهما وجعله مبنيًا على أساس متين وهو الدين ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"
رواه الترمذي وابن ماجة بإسناد حسن
فعندما يقوم الاختيار على الدين يكون هو المعيار الأمثل في استمرار الحياة الزوجية وبقائها وتحمل ما ينتج عن سوء تصرفات أحد الزوجين أو كليهما.
كما أن الأصل في النكاح هو بقاؤه قائما بين الزوجين فحرم الله نكاح المتعة لأنه مؤقت بمدة محددة وجعل الطلاق في حالة الضرورة أو استثنائيا عند استحالة العشرة بين الزوجين وبعد استنزاف الطرق الأخرى التي تسبق الطلاق من الوعظ والهجر وتدخل الأطراف للصلح بينهما قال تعالى في سورة النساء: ((وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)) فهذه درجات تسبق الطلاق فإذا استحالت العشرة بين الزوجين كان الطلاق وهو إزالة قيد النكاح بينهما لكن جعله الله مرة ومرتين لإسئتناف الحياة الزوجية مرة أخرى قبل الطلقة التي يكون بعدها الفراق الذي لا تحل له إلابعد الزواج من آخر زواجا شرعيا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى في سورة البقرة: (( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)) وفيما رواه أبو داود وابن ماجه عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ"
إذا فالأصل ديمومة عقد النكاح ولا يزال هذا العقد إلا بالوفاة لأحد الزوجين أو عند الطلاق البائن بينونة كبرى
لكن للأسف لم يعد الأمر كسابقه فأصبح الطلاق بين الزوجين لأتفه الأسباب الصغيرة قبل الكبيرة إما من الزوج أو الزوجة من كليهما لنعيش بعد ذلك مأساة اجتماعية يترتب عليها الشجار والنزاع والتشاحن والتقاتل بين الطرفين واللجوء للقضاء وتشريد الأطفال وتصدع المجتمع بهذه القضايا فأصبحت محاكم الأسرة مليئة بآلاف القضايا
وهذا باختصار يعود لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- غياب الوازع الديني بين الأسرتين فليس الدين الذي حث عليه الإسلام هو الاختيار الأمثل بالنسبة للأسرة.
2-عدم تحمل المسئولية من كلا الزوجين فلا يعرفان ما الزواج وما أهدافه وعلام يقوم وما متطلباته وما الذي يترتب عليه؟.
3-عدم العشرة بالمعروف التي حث عليها الإ|سلام قال تعالى: ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)) وما رواه الترمذي بإسناد صحيح عَنْ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي"؟.
4- الصبر وتحمل الأذى فهو من تمام البر بين الزوجين ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" أي: لا يبغض فلا أحد يخلو من عيب وفيما رواه أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا".
5- عدم المصارحة والمكاشفة بين الزوجين قبل الزواج واتباع إخفاء العيوب و المجاملات الخادعة بين أسرتيهما.
6- غياب الاحترام بين الزوجين والندية واتباع طريقة العناد والأنا والتكبر من كليهما على الأخر.
7- غياب الوعي الثقافي والاجتماعي بينهما والفهم الخاطئ لمعنى الحرية والمساواة.
8- الانصات لمواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا والدراما التي أصبح ضررها أكثر من نفعها.
9-تدخل الأسرة بين الزوجين وترك العمل على الإصلاح وتهدئة الأمور بينهما.
10- الانصات إلى أصدقاء السوء الذين يكرهون أن يروا أسرة قائمة عاى الحب والود بين الزوجين.
11- الظروف المعيشية والغلاء وعدم الرضا والقناعة كل بما قدر له قال تعالى في سورة الطلاق: (( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7))
12- غياب المشاعر العاطفية وإشباع الغرائز الجنسية بين الزوجين وعدم معرفة كليهما لما يحب أحدهما ويكره أو بالأحرى عدم معرفة الحقوق والواجبات, فقد كان صلى الله عليه وسلم يداعب أزواجه ويلاطفهن ويمازحهن ويسابقهن.
فما أحلى العودة إلى تعاليم الإسلام النبيلة والصبر وتحمل الأذى من أحدهما للأخر كي تدوم الألفة والمحبة ويعيش الأطفال بين أبائهم وأمهاتهم في أسرة مسلمة تقوم على تقوى الله وطاعته واتباع منهجه والاحترام المتبادل بين الزوجين
وصل اللهم وسلم على سيد الأولين والآخرين والحمد لله رب العالمين.