يوم الشهيد
الشهيد هو أنبل الناس وأكثرهم كرماً، لأنه قدم روحه رخيصةً لأجل الحق والفضيلة، ولأن الشهيد هو نبراس الأمل المضيء الذي يُرشد الناس إلى طريق النصر والتحرير، خصصت العديد من الدول يوماً في العام وأسموه يوم الشهيد ليكون هذا اليوم رمزاً للاحتفال بالشهداء الذين زُفت أرواحهم إلى السماء، رغم أن يوماً واحداً في العام لا يفي للشهيد حقه أبداً، ولا تكفيه كل أيام العام للاحتفال به واستذكار مآثره. يقول الله سبحانه وتعالى عن الشهيد: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"(169): آل عمران، إذ أن الشهداء فعلياً لا يموتون، بل تظلُّ أرواحهم حيةً ترفرف في جنات النعيم، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى على من يُقاتلون ويُقتلون في سبيله، فالشهيد حين دافع عن دينه ووطنه وأمته لم يحسب حساب الحياة أبداً، وإنما دافع بكل ما فيه ليظفر بإحدى الحسنيين، فإما نصرٌ مبين، وإما شهادةٌ في سبيل الله، فهنيئاً لكل شهيدٍ يصطفيه الله تعالى ليفوز بالثواب العظيم. في يوم الشهيد يذكر الناس مآثر الشهيد، ويرون فيه قدوةً لهم وللأجيال من بعده، فكل الأمم تفتخر بشهدائها وتعتبرهم أيقونة التميز والخير الذي لا يزول، ويكفي الشهيد شرفاً أن الله يغفر له جميع خطاياه مع أول دفقةٍ من دمه، كما أنه يشفع في سبعين من أقاربه، ويظل بالنسبة لهم فخراً على مدى الأيام ليتعطروا بذكره ويسردوا سيرته متباهين فيه في كل زمانٍ ومكان. لولا تضحية الشهيد لما علا صوت الحق أبداً، ولا ارتفعت راية الأوطان، ولأنتصر الباطل والظلم على الحق والعدل، فرسالة الشهيد تحمل في طياتها كل معاني الشرف والإباء، وتضرب أروع الأمثلة في التضحية، ولهذا جاءت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تُمجد الشهيد وتعلي من مكانته وتُعظّم في أجره. حتى وإن كان يوم الشهيد مجرد تاريخٍ لاستذكار الشهيد، إلا أن فكرة تخصيص يومٍ لمثل الشهيد يُعتبر شيئاً عظيماً فيها الكثير من الاحترام والتبجيل لذكره العطرة، وهذا يزرع في نفوس الشباب والأطفال حب الشهادة وتمنيها، ويجعلهم يُفكرون في أن يكونوا شجعاناً مثل الشهيد الذي لم يكترث لمغريات الحياة، وإنما اختار رضى الله تعالى واستجاب لنداء الشهادة الخالد، لتعانق روحه عنان المجد في كل لحظةٍ، ولينقش اسمه في صفحات الشرف والعزة والكرامة، فلا حياة لأمةٍ دون تضحية شهدائها، ولا ثبات على الحق إن لم يكن فيه من يُدافعون عنه ويحملون همه ويُحون بأغلى ما يملكون لأجله.
وعلى الرغم من حالة السلام التي تعيشها مصر منذ ذلك الحين، إلا أنها لم تتأخر يومًا عن أشقائها العرب فكانت من أولى الدول التي شارك جيشها في الدفاع عن الكويت ضد العدوان العراقي، وهو مازالت تؤكد عليه مصر حتى الآن بقول الرئيس عبدالفتاح السيسي عبارته الشهيرة «مسافة السكة» في إشارة منه على استعداد الجيش المصري لمساعدة الأشقاء وقت الحاجة.
تحيي مصر يوم الشهيد في وقت يكثر فيه شهداء الإرهاب الأسود الغاشم وضحاياه الذي يحصد يوميًا خيرة أبنائها من الضباط والمدنيين، فقد استشهد حوالي ألف من أفراد الجيش والشرطة منذ ثورة 25 يناير 2011، لذا فإن القوات المسلحة حريصة على إحياء هذه الذكرى بالإجلال والإكبار، والعرفان لهؤلاء الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فكانوا أوفياء ليمين الولاء للوطن وافتدوه بأغلى ما يملكون مضحين بأرواحهم ودمائهم الذكية فداء للوطن وصونًا لقدسية ترابه، تاركين وراءهم الزوجة المترملة والأم الثكلى والأب الحزين والأبناء والأخوة.
تزايد أعداد الشهداء لا يزيد زملاءهم إلا عزمًا وإصرارًا على استكمال المسيرة حتى ينالوا الشهادة ويلحقوا بزملائهم، وخير دليل على عقيدة الجندي المصري حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما قال: إذا فتح الله عليكم مصر بعدي، فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض، وإنهم في رباط إلى يوم القيامة، فالمصري منذ طفولته يتغنى باسم مصر، مرددًا منذ الصغر «نموت وتحيا مصر»، فالمصري لديه عقيدة الوطن، والإيمان بكرامته وحريته.