18:10 | 23 يوليو 2019

عبدالحى عطوان يكتب : جدارن الصمت القاتلة

11:38am 19/08/23
عبد الحى عطوان
عبدالحى عطوان

اعتاد يوميا على قراءته فقد أدمن مطالعته برغم عدم إيمانه الشديد به، فهى كلمات تُكتب فى جريدته المفضلة تحت  عنوان (حظك اليوم) البعض يراها مجرد عبارات جوفاء ينساها بمجرد تركه للجريدة، والبعض يتخيلها مرادفة للأحداث اليومية؛ فيتفاءل بها لكن هو كان يراها نوعا من السخافات والفراغ العقلى بل كان يندهش بشدة إذا صادفه أحدٌ يحزن بحزن كلماتها ويفرح ويبنى يومه على تفاؤل عباراتها، 

هكذا مضت به سنوات العمر فقد عاش حياته داخل تفاصيل كثيرة، فطفولته لم تكن سعيدة ؛ فقد كان الأب قاسياً صلباً دائماً ما توحى ملامحه بالجمود، والأم أمية لا تجيد التعبير عما بداخلها، والظروف لم تكن بالميسرة ، هكذا ظل هو وإخوته يرتدون ثياب بعضهم البعض بعد عدة عمليات تجميلية بسيطة بخلاف الابنة آية التى كانت تحظى باهتمام أمها دون إخوتها ، مازال يقبع بذاكرته ذلك الخوف الذى كان ينتابه حينما كان يختلس النظرات إلى والده ويراه متجهم التقاسيم شارد الذهن ، وكأن ابتسامته تخلق منه شخصا ضعيفا، هكذا قست الطبيعة عليه فى نشأته حتى المرأة الوحيدة التى تزوجها برغم إنجابه منها ولدين وبنت إلا أنه لم يجد معها الانسجام التام والأحلام الدافئة ، برغم أن أقرانه كانوا يحسدونه عليها، فهى جذابة ممشوقه القوام تسمح لخصلات شعرها بالانسياب بعفوية ولكنها عصبية أبعد ما يكون عن التفاهم، صراخها المستمر جعل من المنزل جحيما على الأرض ،

سارت الأيام بحلوها ومرها برغم كل محاولاته أن يروى وجهها العبوس بجداول الحنان إلا أنه فشل، فقد جعلت من الحياة رمالا وصخورا وادوية عابسة غاضبة مكفهرة، فكثيرا ما جلس بجوارها شاردا كلما نظر إليها عيناه تخترقان دواخلها تبعثان إليها رسائل ندم، وبينما هو غارق فى التفكير فى مصيبته استيقظ صباح يوم ليكتشف الوجه الآخر لابنه الأكبر الحاصل على مؤهل عالٍ ولم يوفق فى فرصة عمل، الذى بدت ملامحه تتغير وطالت لحيته وأوقات نعاسه بل أهمل فى هندامه ونظافته، وأصبحت العصبية والألفاظ البذيئة هى السمة الغالبة لحديثه ،

ظل الأب طوال الليل مستيقظا يصارع النعاس فلم يغمض له جفن، يحاور نفسه، ماذا حدث به؟ وما آلمه؟ ولمَ تغير هكذا؟  لماذا انطوى داخل جدران الصمت القاتلة ؟فقد كان هادئا دمث الطباع، هل جعلت منه البطالة عدوا للطبيعة؟ هل أصبح عازفا عن الحياة نادما على تعليمه؟ اقترب منه قليلا، نظر إلى عيناه التى لفحهما السواد؛ فأحس بارتجافات قلبه ودقاته اللاهثة ودون تفكير احتضنه بين ذراعيه باكيا فقد أفاق من غيبيوبة طويلة ووجع قلب ، فقد ظل حائرا سنوات مابين قسوة الأب ووجع الأيام وعوزتها، وتناسي أبناءه، 
عانقه بشدة، ضغط عليه بقوة، فقد أراد أن يصله كم الحنان الذى بداخله .
خرج الابن من داخل أسوار سجنه شارخا جدار الصمت، استغفر الله توضأ وصلى، تفوه ببضع كلمات انتهت فما عدت أهرب من سعير نيرانى، ألمح بقايا الأشجار الربيعية وقد ارتدت أثوابها الخريفية، ارقب بين صحوتى وغفوتى ملائكة الرحمن بأجنحتهم البيضاء وقد احتاطوا بجسدى  وهم يبتسمون فى وجهى، نور يقترب ويقترب يحمل على كفية ردءا لامعا، لم يزل يهمهم طويلا فقد فارقت روحه  قبل أن يموت جسده، مثله مثل شباب كثيرين يموتون قبل رى أرضهم وحصاد زرعهم.
 

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn