عبدالحى عطوان يكتب : سماح والنداهة
كان من الصعب على أهالى القري أن ينتزعوا تلك العادات التى توارثوها طيلة عقود طويلة، حتى باتت أقوى من القانون فقد عاشوا قصة قنديل أم هاشم الذى أبدع الأديب يحيى حقى فى تصوير ثقافات تلك الحقبة بحذفيرها ، هكذا ولدت سماح فى بيت يخضع لكل موروثات الجاهلية، يحفظ حكايات الأباء والاجداد وكأنها طقوس لأبد أن يقدوسوها، فالأب فلاح طيل عمره ما بين الدار والزرع، ولا يعرف عن الحياة خارج قريته شيئاً،فلا تعنيه حكاوى السياسة بقدر همومه عن عطش الأرض وتوفير السماد والتقاوى، والأم أمية لا تجيد حتى حروف الهجاء، تعودت على الطاعة و تنفيذ الأوامر دون مناقشة أو أستفسار!
بدت عليها ملامح الجمال منذ طفولتها، فهى هادئة الطباع، ذات عينان ملونتان، وشعر ذهبى طويل ،تقاسيم وجهها يجذب كل من يراها، فهى نتاج زواج بين عائلتين داخل إحدى القرى المغلقة على ذاتها، فقد فرضوا عليها تقاليدهم وعاداتهم، وسرعان ما أجتمعوا وقرروا ذبحها تحت عباءة الختان بلا رحمة فى اعتقاداً منهم حمايتها، حرموها من أدنى حقوقها حتى فى الإختيار ما بين قطع جزء من جسمها أو بقاؤه !!
نشأت بين جدران منزل مبنى بالطوب اللبنى، محاطة بقوانين الجاهلية، حبيسة فلا طفولة عاشت ولا أحلام نمت داخلها، ولا قرار لها حتى فى ألوان ملابسها أو غطاء رأسها، وفى يوم تبدل كل ما بعقلها فقد كان اللقاء الأول لها مع عالم خارج الحدود، لتكتشف معنى الانبهار، كانت عيناها تخترقان كل شئ، واجهة المحلات، والأشياء الغريبة المصفوفة فوق بعضها، حاولت أن تميز بين الأشكال والفستاين ومحلات الحلوى والمشبك الذى تعشقه، والبيوت الشاهقة الملونه التى لم تراها من قبل، فقد عرفت قدماها طريق المدينة الصاخبة، التى طالما روى الأخ الأكبر عن قصورها وامراؤها الأساطير والحكايات، ابتسمت بل ضحكت بقهقهة عالية جذبت أنتباه المارين بجوارها فقد شعرت بأن أحلامها ربما تتحول لحقيقة،
وفى غمرة فرحها الغريب، ورغم الضحك الذى أنتاب ملامحها، كانت بشحنات قلبها موجة من الحزن الدفين، وعدد من التساؤلات الحائرة لماذا يحكم عليها بألا تكمل تعليمها ويزجونها رجل لم تعرفه؟ لماذا لا تقرر مصيرها بنفسها ويكون لها حرية الإختيار ؟لماذا تحمل جيش من الذرات السوداء المانعه عنها الرؤية غصب عنها؟
ظلت بذلك تحادث خالتها، وهى عائدة طوال طريقها ، حتى وصلت الى البيت ركضت نحو غرفتها، أغلقت بابها رمت نفسها على الفراش، لم تبدل ملابسها بعد، تأملت كل شئ حولها، الغرفة الطينية، والجدران والسطح الطابق على أنفاسها، اغمضت جفون عينيها، جال بخاطرها مستقبل مختلف، عما تعيشه لتأخذها النداهة الى ا؟أحلاماً كبيرة، قامت منتفضة لتمسح عينيها بقليل من الماء، أدركت أنها سوف تخوض معركة كبيرة فقد انحاز عقلها وقلبها مع نداهة الأحلام، تقدمت متخذة القرار برغم كل محاولات الأهل الرافضة
الجزء الثانى ...سماح والمدينة الصاخبة