أم من طهطا تروى «طفلي الرضيع فجر مأساتنا »
أثارت رعبي تلك الرسالة التي وصلتني عبر البريد الإلكتروني الخاص بي لام تروى مأساتها وقد بدأت اولى عباراتها
عزيزي الكاتب ،،
طفلى الرضيع فجر مأساتنا
أنت تعرف أننا بمصر ، ومن ليس له واسطة لا يمكن أن يكون قويأ أو يحصل على أبسط حقوقه ، في يوم من الأيام فمن أبسط حقوقي أن أعالج طفلي الرضيع ، الذى وضعته منذ عشرين يوما وهو الآن في مستشفى حكومي لم أعرف عنه شيئا ولا أستطيع رؤيته ،
وتسترسل الأم في روايتها أنا مدرسة قروية لا أجيد سوى فن العلاقات الأسرية المحدودة العادية ، فلم يكن خروجنا من منازلنا سوى للتعليم أو زيارة الأهل بصحبة الأم ، وذلك في أغلب الأحيان وبعدها عندما تخطينا مراحل التعليم المختلفة ، وجاءت مرحلة الإقبال على الزواج فلم نملك فيه الخيارات أو إبداء الرائ ، فقد كان تقليديا ، وتم سريعا ، فقد لا تملك بنت القرية في أحيان كثيرة أي قرارات فيه ، فالأهل هم من يتفقون على كل شيء ، ويرتبون كل شيء ،
مضت الأيام الأولى بسعادتها وتقلباتها حتى حملت بطفلي والتى طوال تسعة اشهر مارست خلالهم عملي الطبيعي بالمدرسة ، ورعايتي الطبية كانت العادية ، التي تتوقف للبسطاء عند حد الذهاب للطبيب ، إذا أحست بألم شديد، أو ظهرت ملامح المرض ، ولا يمكن الذهاب للعيادات أو للمستشفيات ، من أجل المتابعة الدقيقة ، والتحاليل المنتظمة ، كما يفعل المتحضرين غيرنا
حتى جاءت اللحظة الحاسمة التي تحلم بها كل أم ، وينتظرها كل أب ، وهى خروج الجنين من رحم المعاناة الجسدية ، الى الطبيعة الواسعة ، وكم خططنا وهيئنا أنفسنا كيف نراعها ، ونعتنى به فقد يملا الدنيا ،ضجيجا وصراخا ، ولكنها بالنسبة لنا سعادة العمر في انتظارها وقد دنت ساعات الولادة ، حتى هرول بى الأهل للمستشفى العام بطهطا ،التي تحت صراخي ،وبالأشعة أحالتني للمستشفى الجامعي بأسيوط ، وهناك بعد حجزي في غرفة أقل من العادية لأنك محول من مستشفى عام ، وبدون واسطة ، وعندما بدأت دفعات الطلق تنتابني أدخلوني غرفة العمليات ، وقد أزداد الألم كثيرآ ، مع وقوف الطبيب الصامت الذى لم أرى له تفسير حيث مرت الساعات طويله حتى تاه منى الوعى ، لافوق بعدها على كارثتي اليوم ، ومعاناتي التي أظهرت لي فقرى وعبئ على مجتمع تغير كثيرآ ، فقد سادت فيه قيم لم نتربى عليها ، فقد أصبحت الواسطة كل شيء ،
فقد وضعت يا سيدى
طفلا حسب تشخيص الأطباء لديه فتق في جدار البطن ، مع خروج جزء من الأمعاء والكبد ،خارج البطن ،مع تغيرات جنينيه ، بالإضافة الى أحتمالية فتق في الحجاب الحاجز ، بالإضافة الى تشخيص اخر لا أفهمه وتم وضعه في الحضانة وطلبوا منى مغادرة المستشفى لمنزلي وتركه ،
وعندما هممت ألملم أغراضي للمغادرة أحسست بالألم يعتصرنى ، وبان أحشائي ترتعش خوفا ، و جسدي لم يقوى على الرحيل ، فلم تلقى كل توسلاتي ودموعي ، شيئا لدى رئيسة قسم التمريض ، وطلبت منى المغادرة فالقيت النظرة الأخيرة قبل وداعه لمصير مجهول فقد وضعوه تحت مسمى « ابن فلان عنايه 3» فانا لم أملك مالا للذهاب به لمستشفى خاص ، ولم أملك واسطه لأقيم معه مرافقا ، وتركته وغادرت وعند عودتي بعد ثلاثة أيام منعوا دخولي أو رؤيتي له ، ولم تجدى كل دموعي أو تعطفي شيئا ، ورجعت عائدة من أسيوط لطهطا لا أعلم شيئا عن مصير رضيعى المجهول ، ولم أجد من يفيدني عن مستقبله شيئا ، فادركت في تلك اللحظة أن مصر تغيرت كثيرآ وقد أصبحت بلاد الطبقات ، فنحن بلا سند بلا واسطه وعبء عليها وقد فجر طفلي الرضيع مأساتي التي ما كنت أدركها لولا هذه التجربة ،،