عبدالحى عطوان يكتب : زيادة الإيرادات على حساب إنتشار القبح
للأسف الشديد في الفترة الأخيرة بات التوجه من قبل بعض المسئولين،خاصة ممن يديرون المحليات،وبعض الهيئات،والوزرات، هو كيفية زيادة الإيرادات وموارد الدخل الخاص بالوحدة التى يترأسونها على حساب كل شئ، فتقديم أى خدمة ولو حتى حق صميم للمواطن بات مرهون بتكلفة عالية، فلم يعد الهدف لدي الكثير من المعنيين بأمورنا سوى كيفيه جنى المال وزيادة الموازنه،
والأغرب من قصة جمع المال هى طريقة تفكيرهم فى كيفية الجمع أما بفرض مزيد من الضرائب أو إرتفاع الفواتير أو تحصيل المال مقابل مزيد من "إنتشار القبح" وأنا هنا أقصد هذا اللفظ حرفياً فعلى سبيل المثال لا الحصر يقوم مسئولى المحليات على مستوى الجمهورية، بتحصيل مبالغ مالية شبه يومى من البائعة الجائلين مقابل تركهم في أماكنهم التى يحتلونها بطريقة عشوائية، وهذا لا يعنى إلا إنتشار مزيد من البلطجة والقبح، فهنا لا تعنيهم فكرة خلق أسواق حضارية لهم أو فكرة إعاقة الطريق وأحتلاله أو تشويه الجمال لميدان أو شارع بقدر ما يعنيهم تحصيل الإشغالات وجمع المال،
وما بات يزعجنى حقاً هو عقم التفكير لدى هؤلاء المسئولين بل الكارثى بات التوسع في هذه الفكرة مخيف ومرعب فقد أصبح الفارق فى كفاءة المسئول عن غيره مدى مقدرته على زيادة الإيرادات، حتى ولو كان على حساب القضاء على كل معالم الجمال وإنتشار كل أشكال القبح المختلفه وضياع معالم الطبيعة الخلابه ببلادنا، وتحويلها إلى شكل من أشكال البلاد المتخلفة، فيكفى أن ترى يومياً منظر التكاتك وهى ترتع فى شوارعها بلا ضابط أو قانون،
وما يؤكد ذلك المعنى الذى أصبح يسيطر على تفكيرهم، ويكرس لهذا التوجه، على سبيل المثال فكرة تحويل كافة الحدائق العامة وأماكن المتنزهات إلى كافيهات ومقاهى شعبيه، على حساب متنفسات الناس البسطاء والفقيرة وكبار السن، الذين لا يستطيعون الذهاب إلى الأماكن الفخمة والنوادى الخاصة التى بات أشتراكها بالآلاف من الجنيهات وتذكرة دخولها تعادل نفقات شهر كامل من أيام الغلابه
والمثال الصارخ لهذا التوجه أيضاً ما يحدث بمدينة طهطا، تلك المدينة العريقة التى تحمل أسم رائد التنوير رفاعة الطهطاوى والذى يعرف قيمة هذا الأسم الأوروبيين قبل المصريين، تلك المدينة التى أقطن بها هى صورة مجسمة لهذا التفكير، فميدان المحطة الشهير بات مشوهاً، يثير أشمئزاز كل المارين به، من هول ذلك المشهد الذى تصطدم به مباشرة، والناتج عن تحويل المنتزة الصغير المزروع بالورود والمواجه للمحطة الى قهوة بلدى يحيط بها البوص وعربات الأكل العشوائية من كل جانب، بل والتى تم تأجير جوانبها من الباطن مقابل المال وسداد الإيجار للمجلس لتزيد مساحة القبح في المنظر والذى يصطدم بها المسافر أو القادم والهدف الرئيسي فقط الربح وزيادة الموازنه العامة،
أيضاً المشهد الثانى الذى يكرس لنفس التوجه بنفس المدينة، التى مازال أهلها عن بكرة أبيهم يتذكرون "اللواء عبدالمعطى" رحمة الله عليه حينما كان رئيساً لها وأطلق صرخة الجمال من خلال لفظ" أن الشارع ملك أبوى أنا " ولأبد أن يكون آمناً للأطفال والكبار، ومنع أحتلاله من قبل المحلات التجارية، وعمل بكل قوة طوال فترة توليه، لإضافة لمسات الجمال على تلك المدينة، اليوم مشهد المزلقان المغلق والذى أطلق عليه "مزلقان الموت" من كم الحوادث اليوميه عليه لا يتخيل أحدكم أنه تم غلقه بفعل البائعة الجائلين بل الكارثة أن المجلس بقسم الإشغالات لا يستطيع فتح الطريق أمام طلبة المدارس والموظفين والأطفال التى تمر عليه من بائع واحد أحتله بالعرض ليغلقله تماماً أمام سمع وبصر كل رجال المجلس بكل صلاحياته،
ولم يقف هذا الفكر عند المسئولين بمحليات الصعيد فقط، بل أمتد ليصبح توجه عام، ففى الوجه البحرى وبالتحديد مدينة الإسكندرية المدينة التى تسمى عروس البحر الأبيض المتوسط لفت أنتباهى أيضاً اليوم بوست منتشر على مواقع التواصل الإجتماعى يكرس لنفس الفكرة وهى زيادة الإيرادات على حساب الجمال بحديقة المنتزة صورة لنخلة وفوقها لافتة مكتوب فوقها عبارة «جميع الحدائق مراقبة بالكاميرات وغرامة ٥٠٠ جنيه للعلاقة غير الأخلاقية».. ثم أسفل اللافتة مكتوب «أتقوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله» إدارة منطقة حدائق المنتزه مما يؤكد أصبح الهدف هو الإستفادة المادية بكل السبل على حساب الجمال والتراث بخلاف أن هنا إدارة منطقة حدائق المنتزه توجه عظات دينية لمرتادى الحديقة،برغم أن هذا ليس دورها نهائياً
#وفى_النهاية
تبقى كلمة باتت المشكلة الحقيقية ليس فى جمع المال فقط، بل في العقلية التى تدير الأمور والتى طرأ عليها كثير من التغيير فى السنوات الأخيرة ، فلم يعد لديها الجمال هدف، أو الطبيعة الخلابه معنى أو المتنزهات قيمة،أو سعادة وراحة المواطن عملاً بل بات مفهومًا أو مقبولًا أختفاء كل مشاهد الجمال من حياتنا فالعبث بكل مكان تراثى أو تاريخى أو حتى جميل فى مصر أصبح سهلاً المهم زيادة الإيرادات فمثلما تكفنت وجوهنا بالهم والاكتئاب والصراع اليومى لأبد من تكفين الحدائق وتشويهها وجعلها مرتع للبطالة والبلطجة .