عبدالحى عطوان يكتب : سيدة تسقط فى ميدان عام أنتبهوا لعلها رسالة !!
تمنيت أن أغمض عينىَّ قليلاً لعله حلم يقظة، شخوص بدت مختبئة خلف أحداث اليوم الطويل، أنظر بحذر إلى شرفات المبانى المقابلة، أتحسس طريقى فى تلك الشوارع المزدحمة، فالرؤية ضبابيه والغبار ينثر ذراته هنا وهناك تمر من أمامى وجوهًا مألوفة، وأخرى لا أعرفها، شعرت أنى من عواجيز ذلك الزمان المملوء بالضجيج، أصوات وصراخ تسد الأذان و المزاج بات رمادى اللون، فقد سلبته الحياة راحته وسط هذة التراكمات، فلم يعد أى شئ يغيرينى فقد فقدت الأيام متعتها وحلوها، فقد رحلت كل الأشياء الجميلة مع الذين رحلوا!! بل يمر اليوم مثل الأمس لا معنى سوى للشيب الذى غزا مفرقي!!
وقفت إلتقط أنفاسي لأهدى من نفسي قليلاً وسط ذلك الميدان الذى أشبة بالسيرك المنصوب، فلا قانون رادع ولا نظام حاكم، مركباته تمارس العابها البلهلونيه، لايعنيها من يسير إذا كان طفلاً أو كهلاً عجوز أو فتاه خرجت لتعليمها، الأهم أسبقية المرور
وقعت عيناى عليها، تسير دون أن تتحرك، تحادث نفسها وكأنها مست بشيئا من الجنون، دنت منى بخطوات متثاقله،نظرت إليها اعتقدت أنها تقصدنى ،ولكنها تائهة فهى لا تعرف أى شيئاً عن زمنها أو هويتى، وقفت أمامى، بدت نحيفة القوام غطى إتساع ملابسها الرثه علي هيكلها العظمى دون ان يفضحه، حانية المنكبين وكأنها فى التسعين من عمرها، رسم الزمن خطوطاً كثيرة فوق ملامحها، التجاعيد، العينان غائرتان فقد كشفتهما الرموش التى تساقطت، الأصفرار طفا فوق وجنتيها،فقد خيم الحزن على ملامحها، حتى بدت خليطا بين نساء أفقدهم الزمن بريقهم،
أقتربت منها، إلتفت إليها بادرتها بابتسامه ودودة حتى أشجعها أن تنطق أن تعبر عن خلجات نفسها، رددت بهمهمات غير واضحة، سألتها وقبل أن تنطق أحسست بأنها فى كارثه كبيرة ،تصارع نفسها، حتى تدحرج الكلمات من صوتها المبحوح، وبعد عناء نطقت، إنهالت فى البكاء لطمت خدودها، فتحت كيساً من البلاستك المتهالك، فقد ذاب بين يديها من قبضتها عليه، قذفت فى وجه الجميع بكومة من الأوراق الملونه والبيضاء ، أشعة وتحليل، ورشتات، حاولت أن أخاطبها فلم تسمعنى وسط هستيريا الصراخ التى أنتابها، بجنون تلطم خدودها تاره،وتمزق ملابسها تاره أخرى، صرخت بأعلى صوتها ،بنتى ماتت.. بنتى ماتت ،فقد طرقت كل الأبواب ،بح صوتها سقطت على الأرض، فلم تسعفها أنفاسها وسط تجمع من المارة مابين مشاهد بأستغراب ومشاهد لا يعنيه سوى الفرجه على المرأة المجزومه، نطقت بنتى ماتت.. ماتت دون أن أجد ثمن الدواء، أدركت كل الحكاية فقد ألقت علينا بتتر النهاية،أحسست بأن الشمس قد أغربت عن ذلك الميدان فقد لفحته الغيوم الكثيفة، فلم أرى من حاول حملها أو من جرى لأسعافها، فقد أختفت وأنفض السيرك، وتقرق الجمع وكأن الحدث لا يعنى أحداً..
وقفت تائهاً إلى أين أتجه؟ وإلى أين كنت أسير؟ فقد أنتاب عقلى الذهول! أردت ان أقفز على سلم الزمن، أتحرك أتابع خطواتى لا أفكر فيما رأيته ،جاهدت لألملم شتات نفسي ألتى تبعثرت بين الآلاف من الأسئله، أنتابنى شعور بأن عالمى الذى أعتدته قد بدا يختفى شيئًا فشيئاً.. أختفت المعالم..أختفت الأحلام والأمنيات..اختفت القيم والمبادئ ..تسيد النفاق والتضليل نجاحنا فى كم الإشاعات التى يطلقها أصحاب المصالح والتربح عن إنجازاتنا وبطولاتنا وجولاتنا مع الوزراء والمسئولين، فخرنا أصبح بلا ضمير، فقد برعنا فى تسويق الصورة واللقطه، والخبر، والتلاعب بالأرقام المغلوطه، والإيهام والخداع بتوفير الملايين
وفى النهاية..
هذة قصة سيدة سقطت أمام أعيننا فى ميدان عام دون أن تجد من ينقذ أبنتها أو يداويها، لعلها رساله أن نفيق، توقفوا!! أنتبهوا!! فبناء الإنسان وتنميته وصحته أهم من بناء المبانى أو الكتل الخرسانيه التى لا تعلق عليها سوى صور من أوهم الناس بتوفير ملايينها وهى قروض و خطط خمسية وإستثمارية وبنك دولى وسندفع نحن فاتورتها طبقا للائحة الجديده التى كتبنا عنها والتى حولت كل العام إلى أستثمارى ..حدثوا الأجهزة ..وفروا الكوادر البشرية، لا تضللوا الناس ، لا تدافعوا عن المسئول المتكاسل ،أوقفوا حنفية الفساد ، قبل أن تتواروا فلن يرحمكم التاريخ أو لعنة صراخ الناس وعوزهم وفقرهم