عبدالحى عطوان يكتب : ماتت دون روشتة علاج
جلست على أحد المقاعد الإسمنتيه ،التى تم إنشائها داخل المبنى الكبير لتكون إستراحات للمترددين، مالت برأسها على الجدار لتلملم شتات نفسها التى أرهقتها السفر ،وقسوة المعاناة، منتظره دورها ، بدأت عيناها تراقب ساعة يدها بأستمرار تلك الساعة التى كانت تذكرها دائما بالزمن الماضى، فقد لازمتها من سنين طويله تنظر إليها تشعر بأنها تخاطبها تهمس فى أذنها تدفعها لنفض هذا الياس القاتل،وبث الطمأنينه فى نفسها،
أخذتها أفكارها عبر رحلة الزمن، فالحياة تسير وفقا لنواميسها المعتادة كما رتب لها رب الكون، اللحظات تمر ببطء، وعيناها تتنقل تارة بين ساعة يدها العتيقة التى عمرها من عمر أحزانها، وذلك الباب الذى يقف أمامه ذلك الشخص ذو الملامح الحادة والذى يرتدى سترة بيضاء، ويمسك بيده اليمنى ورقه مكتوب بها كشف بالأسماء والأرقام وتاره أخرى تتجه عيناها نحو تلك الأشجار التى تحيط بسور المبنى العتيق، والتى بدت جدرانه وكأنها تبكى لسماعها روايات المترددين والآمهم فقد أكتسى بالسواد من الإهمال الذى أصابه
منذ أجريت أشعة الرنين ومتاهات لا تنتهى أنتظاراً يسلم أنتظار وأفكاراً و هاوية لا قرار لها، ومرض يحمل كل شئ للجنون، يدعو ليأس وحشى مخيف فقد غزا كل الأنسجة ليصبح كرة النار التى تتدحرج نحو الروح لينهى حياة صاحبه ويدمر فى طريقة كل نفس تبحث عن مرفأ ترسو علية !!
كثيراً ما روادها حلم الإنتحار حتى تتخلص من ألآمها، بل كثيراً ما شعرت برغبه ملحة على التيه، بعدما أصبح كل شئ فى جسدها سقيماً، ولا تجد الروح منه مخرجاً، وبينما غارقه فى تفاصيل كثيرة، ما بين ماضى لم تعيشه وتستمتع به فقد لقبت ببنت الشقاء، ولدت وكبرت وسط بيئة لا تمتلك أى مقدرات علية القوم أو حتى للبسطاء، وحاضر قبل أن يهنأها هاجمها ذلك اللعين لينهش فى جسدها النحيل ليجعل من الموت شبحاً يطاردها فى كل لحظة،
وبينما هى تائهة ما بين أفكارها ومأساتها،نودى على إسمها، لتتجه إلى ذلك الباب المعلق عليه عنواناً يقتل الأمل مهما أن كان موجوداً، وبمجرد أن وضعت أقدامها داخل تلك الغرفه الموجود بها جهاز الإشعاع،حتى أنتاب جسدها رعشة شديدة أشعرتها وكأنها وصلت لمحطتها الأخيرة مع قطار العمر،
وقبل أن تخطو للداخل، وتقترب أكثر من ذلك الجهاز ،طلبت ورقة وقلم لتكتب بضع كلمات قليلة من أجل أبنائها ،فالأب قد غادر الحياة منذ زمناً بعيد وتركها تصارع معهم أمواج الزمن، ثوانى معدودة حاولت أن تستجمع قواها أن تكتب تساءلت مع نفسها هل مازال فى العمر بقية؟ هل سأعود إلى بيتى ؟ هل سأراهم مرة أخرى ؟ فإذا بالدموع تنهمر ويتوه القلم وتضيع سطور الكتابه، لمن أكتب وبمن أوصى على أولادى ؟ فإذا بيديها تكتب دون أن تدرى كلمة وداع، وعيناها للسماء تردد هامسة يا الله فى يديدك أستودع روحى، وبحراستك وعطفك أبنائى، وبينما يقترب الطبيب ليستعجلها تتمدد على سرير الجهاز، تسقط على الأرض لتفارق الحياة، وسط دهشة وذهول الحاضرين وصرخات الممرضه ليكتب الطبيب أسباب الوفاة موت الروح قبل الجسد لنقص أدوية العجز والقهر والخوف والمرض والظلم ، مزيله بتوقيع البقاء لله .