عبدالحى عطوان يكتب انتحار فتاة
المشهد ضبابى كثيف رسمت تفاصيله تلك الطبيعة الجغرافيه، التى تتشابه فيها كل القري ، الشوارع الترابيه، أشجار النخيل،الزراعات التى تحيط بمبانيها، الظلام الدامس الذى يضرب بهدوءه شوارعها وحواريها منذ الساعات الأولى من الليل، السكون القاتل،الأبواب المغلقه ،فلا تسمع الأذان سوى صوت حفيف أوراق الأشجار أو نقيق الضفادع القادم من أعماق الأرض الرطبة.
بينما أسدل الليل ستائره وساعاته تمر ببطء على أهلها وكأنها دهراً،كان الكل ينازع أحلامه فى نومه ،ماعدا تلك الفتاة المسكينه تعيش مأساتها مع نفسها، ينهشها ذلك المرض النفسي اللعين ووصلت لمراحله الاخيرة وتمكن منها ذلك الهاجس الشيطانى ،و قررت التخلص من حياتها، تارة تأخذها أفكارها إلى إلقاء جسدها النحيل بمياه النيل، وتارة إلى الموت أسفل عجلات القطار ، وأخيراً أهداها ذلك المارد بفكرة أن تكون النهاية بحبة الغلال،
أنتفضت ،رفعت جسدها النحيل من على تلك الوساده القديمه التى أغرفتها بعرقها من ساعات النوم الطويله عليها ، عزمت النيه ،متخذه القرار نظرت حولها زاغت عيناها بين الأشياء المبعثرة فى الغرفه ، الباهته ألوانها والتى لازمتها منذ سنوات طويله فهى حبيسة الجدران بيتوتيه ، ملابسها ،كتبها الدراسيه ، فالأهمال يضرب كل شئ، وكأنها شيئاً منسياً ،الأب يصارع الحياة من أجل لقمة العيش، والأم أمية القراءة والكتابة جافة المشاعر ، لا تجيد الحوار، حتى سيطر عليها الإكتئاب اللعين، وكتبت داخل عقلها النهاية ،
أمسكت بيديها التى ترتجفان تلك الحبة المسمومه، قامت بأبتلاعها ثم ألقت بجسدها على السرير فقد أنتابته رعشة شديده، تمددت قليلاً حاولت أن تغمض عيناها فلم تستطع، فسرعان ما بدأت تنتفض وكأنه سرى تيار كهربي فى جسدها، كورته وكأنه تختبئ داخل ملابسها، إلتوت أقدامها فوق بعضها البعض، داست على بطنها بيديها، حاولت أن تقف فتعثرت ،دقائق معدودة وما أن ذابت تلك الحبة داخل أمعائها،حتى صرخت من شدة الالم وكأن سكاكين تمزق أحشائها، توجعت، أغروقت عيناها، ساد الأصفرار ملامح وجهها ،سال اللعاب من فمها،إنهارات قواها ،حاولت أن تصرخ بأعلى صوتها.تعثرت الكلمات وكأنها فقدت النطق من سنين حاولت أن تستجمع قواها ولكنها كانت النهاية سقطت بجانب السرير ،
أستيقظت الأم مذعورة، على تلك الكركبه التى لم تعتادها، فقد ظنت أن خطراً أصاب الجدار، أخذتها قدامها مسرعة إلى غرفة أبنتها، لكنها كانت فارقت الحياة والنهاية أسرع من قدومها، أنتابتها الدهشة صرخت أحتضنتها
دوى الصراخ من فمها الذى زلزل سكون الليل القاتل، فدقائق معدودة على بزوغ الفجر ، أستيقظت القرية مذعورة ،هرول الجميع ناحية ذلك المنزل الكائن على أطراف القرية،كان المشهد درامياً،فالأب وقف ممزق الثياب، يصرخ كالأطفال بدت على ملامحة تجاعيد الزمن وقسوة الحياة ولفحة نيران الشمس الملتهبة فقد قضى عمره لا يعرف من حدود العالم سوى رحلته اليوميه التى تبدا بالغيط وتنتهى بالبيت، حتى أخوته هجروه من زمان بسبب طمعه فى الأرض و الميراث، والأم ممدة على الأرض تلطم خدودها، تضرب فوق رأسها تقطع في شعرها تمزق ملابسها،تصرخ بأعلى صوتها، تردد بهمهمات غير مفهومه، قتلتك بأهمالى، ونسيانك وعدم حوارك، قتلتك بجهلى وعدم أهتمامى بمشاعرك .
كانت الفتاة ممدة على سرير قديم ،وجهها الطفولى الملائكى، عيناها الجاحظتين، وسيل اللعاب ينتاب من فمها أصفرار الموت يطفح فوق وجنتيها، ألقت الجارة التى أحتضنتها بغطاء فوق جثتها وهى تصرخ صرختها المدويه الممزوجه بدموعها قائلة لقد رحلت الملاك بدون كلمة وداع ...أنتبهوا يا سادة حالة أنتحار قادمة