حديث الماشية بقلم:- محمود حربي
بداخل حظيرة منزلنا يوجد ثوران أحدهما شديد السواد والآخر يكسوه البياض غير أن السواد قد نال من مقدمة رأسه، ويوجد حمار وثلاثة خراف وفأر يزورنا من آن لآن.
كان هذا العالم الصغير يسليني عن العالم الكبير، فبعد أن أفرغ من أعمال الحقل أذهب إليهم وأتعهدهم بالرعاية فأطعم جائعهم وأسقي ظمآنهم.. غير أني في أحد الأيام عدت متأخرا متعبا من عمل الحقل بصحبة الحمار، أدخلته الحظيرة وقدمت لهم الطعام والشراب كسائر الأيام.. ثم أسندت رأسي إلى واحد من الجدران، فإذا بالثور الأسود ينظر إلي شذرا ثم ألتفت إلي الثور الآخر وخاطبه: مالهم بني الإنسان استعبدونا منذ زمن لو أن جدنا الأكبر ثار في وجههم وأبى العبودية والهوان لما ورثنا الذل.
فأجابه الأبيض: لا تظلم جدنا الأكبر وتفتري عليه، لقد تناهت إلي الأنباء أنه كان يعدو من قطيع أسود فراه الإنسان فأمنه وأخذه إلى منزله فسقاه وأطعمه وخصص له مكانا لنومه واستراحته، ثم اصطحبه في صباح اليوم التالي إلى الحقل وكان الإنسان يدير الساقية بنفسه ولما كلت يداه اقترح عليه جدنا أن يساعده ردا للمعروف فلما دارت الساقة أخرجت ماءا وفيرا، ساعد على نمو النباتات سريعا مما جعل نصيب جدنا من الكلأ يزيد.
وذات يوم والإنسان يحرث الأرض تعثرت قدماه وسقط على الأرض، ولما أفاق وجد جدنا قد حرث الأرض وتوالت الأعوام حتى بلغ الكبر من جدنا ولم يقو على أعمال الحقل، أخذه الإنسان على قارعة الطريق وذبحه وخضب الجدران بدمه فأصبح جمعنا يخش الدم ويعمل في الحقل مقهورا لا يفكر إلا في مطعمه ومشربه غير ناظر لعهد الحرية الأول وهنا تدخل الفأر وقال: أنظروا للحمار يأكل بنهم غير مهتم.
فقال الحمار والبرسيم يتأرجح بين فكيه: أنا خادم أمين أحمل الأثقال حتى وإن لم أعرف ما أحمله وسيدي يكافئني في نهاية اليوم بإمدادي بالطعام والشراب فرضيت بحياتي وتجنبت التفكير كي أهنأ وأحيا بسلام وتلك وصية أبي قبل رحيله حينما قال لي، "أعلم بني أننا جنس الحمير لم نخلق لنتسيد وأننا بين أمرين الرضا والسخط؛ فإن نرضى فقليل العيش يسعدنا ويكفينا وفي حضرة الطعام يذهب النصب.. وإن نسخط نمنع الكلأ ونتلقى صنوف العذاب ولن يذهب بنا السخط أبعد من أن نصبح جيفا ملقاة على حواف الطرقات فاختر بني ما تراه يصلح به شأنك وتسمو به بين بني جنسك".
فاخترت التسليم والرضا.
وصاح الفأر بالخراف لقد أقترب الأضحى فاستعدوا لمغادرة الحظيرة إلى الأبد يا جمع السمان.. فأخذوا يصدرون أصواتا مخيفة أفاقتني من غفوتي وعزمت في نفسي ألا أسترخي في الحظيرة مرة أخرى.