الشباب يقود في حركة المحافظين عنوان خادع ومضمون يستحق التوقف طويلا
يمثل شباب مصر نحو 65% من الشعب المصري، وبالتالي بعد 25 يناير 2011 و30 يونيه 2013، التي شارك فيهما الشباب على نطاق واسع، كان لا بد من تمكين الشباب وتوليهم المناصب القيادية في الدولة، لضخ مزيد من الحيوية في مفاصل الدولة لكن هذا التمكين كان يستوجب أولا التأهيل وثانيا وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، تمكين واسع النطاق يمنح فرصة لأبناء المؤسسات للصعود المنطقي بداخلها، ولا يعني تمكين لمجموعة دون سواها، ولا يعني هبوط بالبارشوت على قمة الهرم الوظيفي، فيكون لدينا مسئولين لا يدرون عن أماكن عملهم شئ، ومرؤسين يعملون بكل جدية لاسقاط هذا الغريب، وارسال رسالة ضمنيه مفادها "حجا اولى بلحم توره" .. وهي معادلة لا بد من فك رموزها لخدمة الوطن والعمل على الارتقاء به إلى الأمام.
#وبنظرة سريعة لحركة المحافظين الأخيرة التي شملت تعيين 16 محافظا جديدا والابقاء على 11 من الحركة السابقة دون تغيير، سوف نجد من بينهم أثنين فقط يمكن وصفهم بالشباب وهم د. احمد الأنصاري الذي انتقل من محافظ سوهاج إلى محافظ الفيوم، ود. محمد هاني محافظ بني سويف، وبالتالي فإنه لا يمكن ان نقول ان حركة المحافظين سيطر عليها الشباب انما نستطيع أن نقول أن حركة نواب المحافظين سيطر عليها الشباب، وهو منصب مستحدث تم التوسع فيه ثم تعميمه في فترة حكم الرئيس السيسي، فقد كان قبل ذلك مقتصرا على العاصمة القاهرة، ثم انتقل إلى الجيزة والإسكندرية ثم باقي المحافظات لذا جاء اغلب نواب المحافظين من الشباب.
#الحقيقة ان الإبقاء على عدد من المحافظين سبب صدمة للبعض اكثر من رحيل آخرين، فلا احد يعرف سر الإبقاء على اللواء خالد عبدالعال محافظا للقاهرة خاصة بعد فشله مرتين في الألمام بالعمل داخل محافظته وظهر ذلك في لقائين منفصلين امام رئيس الجمهورية ثم "غرق القاهرة في شبر ميه" قبل نحو شهر ونصف، بما يخالف تصريحاته الوردية عن استعداد العاصمة لموسم الأمطار، وهو ما سبب علامة استفهام كبرى لسكان القاهرة التي تعاني تراجع شديد في مستوي الخدمات، وأيضا بقاء اللواء عادل الغضبان محافظا لبورسعيد وتجديد الثقة فية للمرة الثالثة، رغم تزايد الغضب الشعبي ضده في المدينة الباسلة، بينما لم يعرف أبناء سوهاج سر نقل احمد الأنصاري لتولي محافظ الفيوم، فإما الأنصاري ناجح وبالتالي كان يجب الإبقاء علية على رأس المحافظة، أو فاشل وبالتالي كان يجب أن يخرج من الحركة تماما، ويبدو أن الأنصاري قوي لدرجة أنه يتم نقله لمحافظة اقرب للعاصمة، ولانقاذه من غضب أهالي سوهاج بسبب تدني مستوى الخدمات أثناء العام والنصف الذي تولى فيهم المحافظة، وبقي آخرون رغم ضعف الأداء وعدم تقديم جديد يذكر.
#ويبقى تعيين 23 نائب محافظ شاب خلال الحركة الأخيرة من بينهم 8 من برنامج التأهيل الرئاسي بعد إعلان عن تعيين 9 حيث تم استبعاد المهندس محمد راضى في اللحظات الأخيرة وكان مقرر ان يكون واحد من نائبين لمحافظ المنوفية، علاوة علي تعيين 5 من شباب تنسيقية الاحزاب والسياسيين والذين تم استثنائهم من تحقق شرط الماجستير والدكتوراه الذي وضع لاختيار النواب الجدد إضافة إلى 14 آخرين من برامج أخرى كانت الدولة تعمل عليها خلال الفترة الماضية.. خطوة لافته تستحق مزيد من إلقاء الضوء عليها في عدة نقاط:
1- بداية لا بد أن يتجاوز الهدف من تعيين هؤلاء مانشيتات الصحف واخبار الفضائيات، وأن يتخطى الشكل الديكوري، أو إرسال رسائل ضمنيه للداخل والخارج بأن هناك تغيير يحدث، إلى الاستفادة الحقيقية من طاقات شباب مصر، مع التأكيد على حسن النوايا وأن التجربة قادرة على تحسين نفسها بنفسها مع قادم الأيام.
2- يتحمل هؤلاء الشباب "نواب المحافظين" - أيا كانت طريقة اختيارهم - مسئولية مضاعفة حيث ان نجاحهم في مواقعهم سيكون نجاح لكل الشباب، وفشلهم سوف يضر بتجربة التمكين بالكامل، لذا هي تجربة شديدة الخطورة على مستقبل أجيال كاملة من الشباب، وإن كنت اعتبره قياس خاطئ يستوجب أن يدرك صانع القرار في الدولة أن الـ 35 شابا "نواب المحافظين قدامى وجدد" لا يمثلون إلا انفسهم، اذا نجحوا فتحوا الطريق لآخرين، واذا فشلوا - لا قدر الله - علينا ألا نغلق الباب في وجه الشباب ونستكمل التجربة حتي نصل إلى التمكين المأمول.
3- يبقى السؤال.. ماذا تفعل الدولة مع جيل اعماره ما بين 40 و50 عاما، هل تضعهم ضمن خريطة التمكين أم تقضي بجرة قلم على حق هؤلاء المشروع في تولي القيادة، حيث يمثلون خبرات شديدة التميز، وذلك فقط من أجل رفع شعار "تمكين الشباب" .. الأمر يستوجب توسيع قاعدة الإختيار، وتوفير برامج أخرى تستوعب هؤلاء لوضعهم على طريق القيادة.
4- الاغلبية شعروا بالفرح من تمكين الشباب، لكن الالقاء بهم في اتون المحليات وفسادها، والمحافظات ومشاكلها، يشبه القاء طفل صغير في قلب المحرقة، فالامر يحتاج كفاءة حقيقية وصلاحيات واضحة والا يكون نواب المحافظين مجرد مبعوثين رسميين للمحافظين في الاحتفالات والمناسبات العامة، لذا يجب أن يكون لنواب المحافظين دور حقيقي وصلاحيات معروفة اذا أردنا نجاح الشباب في هذا الملف.. وإلا كان اجدر أن يتم تجربتهم في مناصب اقل ثم تصعيدهم بشكل تدريجي.
5- لا يجوز أن نطلق على وجود بعض شباب الاحزاب "5" بين نواب المحافظين بإن هذا تمثيل حزبي، فنحن لسنا في حكومة ائتلافية، ولا يوجد لدينا حزب يشكل الحكومة، ولا يقبل أن يكون مقعد نائب المحافظ دليل على مشاركة حزب في السلطة التنفيذية خاصة ان اكبر الأحزاب لم يمثل، كما أن ازمة حدثت داخل حزب عريق عندما قام رئيس الحزب بترشيح شقيق احد العاملين في مكتبه الخاص لتولي منصب نائب المحافظ ثم ادعى انه ابن الحزب في حين أن هذا الشاب لا يعرفه احد في الحزب ولم يدخل أي من تنظيماته، في سابقة خطيرة تهدد جدران الحزب المتصدع بالأساس.. ويجعلنا نؤكد أن التجربة الحزبية تحتاج مراجعة شاملة من أجل وطن يليق بالمصريين.
6- اللافت أن اكثر من نصف نواب المحافظين جاؤا إلى السلطة بعد ايام من ابعاد الرجل الذي كان يشرف على تدريبهم وتأهيلهم، وهو ما يعني أن الأبعاد تم بشكل مفاجئ، لم يمكن من تدارك ذلك في اختيار نواب المحافظين، أو تم المجئ بهم لتأكيد أننا في دولة مؤسسات وليست دولة أفراد.. ليبقى السؤال: هل تم تعديل حركة نواب المحافظين في الساعات الأخيرة وابعاد مجموعة لصالح مجموعة أخرى بدليل أن الجميع تم ابلاغهم قبل حلف اليمين بنحو 48 ساعة فقط.
7- واضح من شكل المحافظين ونوابهم اثناء حلف اليمين أن الأمر تم على عجل، فظهر بعضهم دون مستوى مقبول من الأناقة وتناسق الهندام.. وظهر بعضهم بملابس لا تتناسب مع المناسبة والمنصب الرفيع، وهو ما يستوجب مراجعة في المرات القادمة.
8- خلال الأيام الماضية ارتفعت مؤشرات تناسق الشكل وعدم البدانة كأحد شروط تولي منصب وزاري أو حكومي لكن ييدو أن هذا الشرط لم يتم تطبيقه في حركة المحافظين الجدد
9- جرت العادة إلا يتم تعيين المحافظين على رأس محافظاتهم لما يسببه ذلك من محابات المحافظ لأهله واقاربه على حساب باقي المواطنيين، وفشلت تلك التجربة في أيام الرئيس الراحل انور السادات، فلماذا قررت الدولة تعيين عدد كبير من نواب المحافظين في مسقط رأسهم؟ وسط مخاوف من احداث ازمات بسبب ذلك.
10 - لا يليق إطلاقا أن نفسد تلك التجربة بادخالها في صراع سياسي مبكر، ولا يليق التنقيب وراء نواب المحافظين الجدد وكشف عواراتهم للتدليل على عدم استحقاق بعضهم المنصب الرفيع، ويجب أن نمنح الجميع فرصة لإثبات احقيتهم بالمواقع الجديدة، وأنهم قادرون على خدمة الوطن وأن تأثيرهم سوف يتخطى مجرد الاستفادة بتخصيص سيارة بسائق وراتب شهري يصل إلى 40 ألف جنيه.
#أخيرا... على الجميع دعم تجربة تمكين الشباب، ومساندة كل شاب في موضع المسئولية لضخ الحيوية في مفاصل الدولة، وللتأكيد على أن شباب مصر قادرون على صناعة الفارق، وأن هذه بداية لخطوات مماثلة يكون فيها الشباب شريكا في صناعة القرار وإدارة شئون الدولة.