مع الدين كانت مشكلة الشاب الذي انتحر
واقعة ذلك الشاب، الذى القى بنفسه من فوق برج القاهرة، لا يمكن تحميل المجتمع المصرى مسؤوليتها، تحت أي تفسير او تأويل، وحتى يتم لنا وضع الأمور فى نصابها الصحيح، لابد أن نرد الأشياء إلى حقيقتها، وحقائق الأشياء تكمن فى بواعثها.
فلا جدال في أن قيام شخص بفعل يتعمد من خلاله إزهاق روحه، يتمثل الدافع اليه والباعث عليه، هو مروره بمرحلة من الإضطراب النفسي، أدت إلى إصابته بخلل عقلى، قاده إلى أن يتصور توهما أن علاج ما يعانيه من ألام وأزمات نفسيه، يتم بإنهاء وجوده في هذا المجتمع، ولا ريب أن السبب الرئيسى الذي أوصله لهذا الحد، هو حالة الخواء الروحى التى كان يحياها، والتى أصابته كنتيجة حتمية لوجود خلل في معرفته بالله خالقه. ولذا حق لنا نقول، أن هذا الشاب كانت لديه إشكالية عميقة بينه وبين الدين الذى كان يعتنقه حالت بينه وبين إمكانية تحقيق الإتساق الروحى و التوازن النفسي بينه وبين المجتمع الذي كان يعيش فيه، فتهاوت به إلى أن أسقطته فى ربقة الانتحار للخلاص من نفسه بنفسه..
فإذا سمح لي أن أستخدم التعميم، رغم اننا امام حالة فردية، فيمكنني على أستيحاء أن أقول، نعم أنه لدينا في المجتمع المصرى نقص في الغذاء الروحى الديني، ناجم عن اختلال علاقتنا بالله سبحانه وتعالى ، ونحن كمصريين لدينا خاصية فريدة تميزنا عن باقي شعوب الأرض هى اننا شعبا متدين بطبيعته والدين يشكل لديه محور إرتكاز في مجمل حياته ومكنون فطرته، بما يلزم له من توفير مقومات الإمداد والتحفيز لهذا الجانب بشكل دائم ومستمر.
وما العمل أذن ونحن لدينا تجربة مريرة، وأثارها كانت وما زالت دامية مع الجماعات الدينية، التى كانت متوليه لعملية نشر التثقيف الديني بين أفراد المجتمع المصرى، ووضعت لنا خفية السم في العسل، الأمر الذى بلغ بنا ما بلغ، ودفع الدولة إلى إنفاق الغالى والنفيس في سبيل تخليص الجسد و العقل المصري من أثار هذه السموم..
وفي خضم هذه وتلك أستميح لنفسي، ان أهمس في أذن أولي الأمر، قائلا أننا في حاجة ماسة وضرورة ملجئة، إلى تكثيف نشر الوعي والتثقيف الديني، لتوفير الحماية الذاتية للمجتمع ضد الأخطار والأمراض الاجتماعية، شريطة أن يكون هذا النشر وذاك التثقيف صافيا خاليا من شوائب العنف والتطرف، هادفا إلى تذكية الروح وتهذيب السلوك.
ومن ثم والحال كذلك، فيجب أن يتحمل الأزهر وزارة الاوقاف مسئولتيهم الدستورية والقانونية كاملة في تحقيق هذا الشأن.
وفي ختام حديثى، أنادى بأعلى صوتى، ان تفتح الدولة الباب على مصرعيه أمام التصوف ورجاله، ليقولوا كلمتهم وليضعوا بصمتهم، والتى أثق كل الثقة من انهم سيكونو من ذوى الإيادي البيضاء فى تحقيق إصلاح هذا المجتمع دينيا وأخلاقيا وسلوكيا على صورة ومنهج من التسامح الديني الممزوج فى قالب وطني.