عبدالحى عطوان يكتب:- سكوت الحكم آخر الجلسه.
دخل بين جدران غرفته،وقف قليلاً يتأمل أركانها ، دفعته رحلته طوال اليوم ،أن يستلقى بظهره على سرير بدت الأشياء فوقه مبعثرة، جال بخاطره بين حوائطها، زاغت عيناه بين ألوان السقف الباهته خطوطه ،حتى شعر بأنفاسه تطبق على خلجات صدره ،نهض مسرعاً وأخذ خطوات ليأتى بحقيبه كان قد وضعها فوق الدولاب المتهالك، والشاهد على كل الذكريات،فعمره من عمر تلك الغرفه منذ وطأتها قدماه ، أخذ يعبث داخلها مابين أوراقه التى تغيرت ألوانها بفعل الزمن فماجت باللون المصفر، وما بين الكلمات التى أصبحت باهته تصعب على العين قراءتها،عثر بين طياتها على مجموعة من الصور الفوتغرافيه التى تم إلتقاطها فى زمن مضى أخذ يقلب بينها ويطيل النظر فيها،حتى يستهلك الوقت المتبقي من الليل الطويل، فما بين كل صورة وصورة تقبع حكاية تحمل عنواناً للمكان والزمان ،
وجد حزمة من الرسائل يلتف عليها خيط حريرى تعود الى زمن بعيد، أخذها بين يديه، وعاد ليستلقى على السرير مرة أخرى متمدداً وضع وسادة أسفل رأسه، بدأ يقرأ فى كلمات إحداها، يفك طلاسم الحروف ،سرح بخياله لزمانها، تذكر أيام غربته وكيف كان يجلس بالساعات يعيد قراءة تلك الكلمات مرة بعد المرة ، رسائلها وصورها ورائحة العطر بين سطورها ومناداة ساعى البريد،وطريقة رسم الحروف ،لم يستطع أن يقاوم الرعشة التى سرت فى جسده ،وإعادت له حنين الذكريات،حاول أن ينام يهدئ من عقله الذى ثار والذى بدأ يسترجع أيامه الخوالى، المواقف ،الهمسات ، هنا كانت الإبتسامه، وهنا كانت الضحكات، وهنا جلسنا نروى ونسرد الأحلام ، وهنا تشابكت الأيدى،وتاهت النظرات،
أخذته أنفاسه المكتومه داخل صدره إلى السؤال والسؤال كيف وصلنا الى هذا الحال، نقضى أياماً وأيام ما بين مكاتب المحامين وأروقه المحاكم، نتنازع ،نكيل الإتهامات، نتسابق لنعرى أجسادنا بين الناس،نبدع فى الكذب والتلفيق لنفوز بحكم تلك الجلسات، لم تغلق جفون عينيه فقد ظل مستيقظاً حتى ظهرت بوادر الصباح، أرتدى ملابسه، أحتسى كوباً من الشاى ،نزل إلى الشارع مهرولاً، متخذا القرار، تسابقت قدماه ناحية ذلك المبنى الذى أخذ من عمره أيام وسنوات ، تذكر كيف كان يتوارى بوجهة بعيداً عن تلك العيون الذى تتهامس عليه كلما رأته يخطو بخطواته داخل طرقاته أو بين جدران مكاتبه ، لكن أحساسه اليوم به مختلفاً كل الإختلاف فما عاد شئ يخجله ،فقد حسم أمره واتخذ القرار ،وقف قليلاً على ناصية ذلك الشارع فقد ذكره بدعواتها، بنظراتها، برائحة عطرها، حينما كانا يهما بالإفتراق ، خطا خطواته للداخل دخل بين جدران الغرفه، جلس على الأريكة الطويلة، يراقب نظرات العيون ،منتظرا مناداة ذلك الحاجب الذى حفظ كل تفاصيل ملامحه، من كثرة التكرار، وعندما حان دوره وقف فى شموخ ،رافعاً رأسه يشعر أن الجدران إتسعت وأن كل الناس تسمعه ،
قال بصوت بدت نبراته فرحه، سيدى القاضى شهر كريم، وصوم كريم، لا أدعى النبوة ،ولا التدين ،لكنى أعترف أمامكم بأن خطاياى أثقلت كاهلى، فقد أخذنى العناد بعيداً بعيداً، دخلت فى حرب لأيام و سنوات ،فقد كانت جزءاً من روحى، من جسدى، فقد كانت كل عمرى ،كل الذكريات
اليوم أعلنها أمامك سيدى و أمام كل الدنيا بكل تسامح وحب أتنازل وأنا فى كامل قواى عن كل القضايا ،واتمنى إلا يكون بعد فوات الأوان ومستعد لكافة التعويضات دوت جدرانها بالمطرقه سكوت
،،،،، الحكم آخر الجلسه،،،،