عبدالحى عطوان يكتب :- الشائعة والسلوك والإرجوزات
مازلت أذكر شائعة ثروة مبارك البالغة ٧٠ مليار دولار، والتي روج لها الراحل الكبير والمبدع في الكتابة محمد حسنين هيكل.. وحمّس البسطاء الذين أستهدفتهم الشائعة، والتى نجحت في القضاء على التعاطف الذي أبدته طائفة من الشعب بعد خطاب إنساني للرئيس الأسبق.
هذه الشائعة مثلها مثل الآلاف من الشائعات التى تطلق يومياً بقصد أو عن جهل ولأن الشائعات تسرى فى المجتمع كالنار فى الهشيم لأسباب عديدة أهمها إرتفاع نسبة الأمية، وعدم القراءة والأطلاع، ونوعية التعليم، التى تقدم من خلال نظامنا ،وجرعة الثقافة سواء المكتبية أو الاعلامية، بالاضافة إلى محتوى مستنقع البرك والذى يسمى بالتواصل الإجتماعى والذى حاصرنا أنفسنا فيه لدرجة الغرق .
لذا..فقد تكونت لدينا ثقافة عامة ضحلة أشبه بثقافة سائقى التوك توك التى أنتشرت بين قطاع عريض من المجتمع والتى تسمى الثقافة القشرية، تلك الثقافة جعلت من المواطن عالماً ببواطن كل الامور فأنتشرت الفتوى فيما لا نعلم، فأصبح الكل خبيراً عسكرياً، وعالماً في الطب ، وداهية في الهندسة وأستاذاً في الطاقة الذرية بل الكارثة يمكنك أن تجد غير متخصص أو غير المتعلم ينتقد خبراء الإقتصاد أو الطاقة بل كارثة تلك الثقافة خلقت لنا حاشية حول المسئول أشبه بالإرجوزات فهم على طول الخط موافقون وكان المسئول نبي أنزل من عند الله حتى وإن كان فاشلاً بشهادة الشارع ولا إنجازات له سوى إلتقاط الصور .
والحقيقة المؤكدة إذا وجد المواطن الذى يهوى ويميل إلى تصديق الشائعات نظراً لثقافته الضحلة فى المقابل هناك بعض الوزرات والهيئات والشخصيات العامة مصدر ثرى للشائعات، على رأسها المسئولين والفنانين ونجوم الكرة الذين تمتلئ الصحف والقنوات الإعلامية بأخبارهم وسرعان ما نكتشف أنها شائعات تلقى من أجل عدم نسيان الناس لهم من قلة أو رداءة أعمالهم الفنيه أو بقصد مادة للتسليه لإلهاء الناس عن همومهم ومشاكلهم الحقيقية.
والكارثة الأكبر عندما ترسخ الشائعات فى جدران المجتمع الهش وتتحول إلى سلوك ولكم في أحاديث أضرار الأمصال ورفضها دليلاً وأضحاً على ذلك فحتى الآن هناك مقاومة شرسة للتطعيم بتصديق الشائعات الجاهلة التى أطلقت حولها مثل أنها تسبب العقم أو تحدث تليف بالكبد أو تتسبب بالجلطات أو تؤدى للوفاة فبرغم اننا لا ننكر إنهيار المنظومة الصحية وأنها تحتاج إلى نسف كامل وبناء منظومة جديدة ولكن لا يمكن محاصرة الأمراض بمجهود الوزارة فقط وأنما بتبنى سلوكيات وعادات صحية سليمة عن طريق حملات التوعية،فمعظم الأمراض مثل أمراض القلب والسمنة والسكرى، والتي تتسبب فى مخاطر كثيرة على صحتنا، تأتى بسبب أننا لا نهتم بالتغذية السليمة كماً وكيفاً وطريقة ونوعاً
وفى النهاية... ما يؤكد على أن تصديق المواطن للشائعات أصبح ثقافة وسرعان ما تتحول إلى رد فعل أو سلوك الموجة الأخيرة في إرتفاع الأسعار، برغم اننا لا نخلى دور الدولة من عدم الرقابة الكافية على الأسواق وتركها للسلع حسب متطلبات السوق الحر من عرض وطلب وعدم قيامها بوضع تسعيرة أسترشاديه أو توارى دورها بضبط الأسعار من خلال ضخ السلع بالجمعيات الإستهلاكية أو إنماء التعاونيات إلا أن ثقافة المواطن الإنتهازية التى تحولت إلى سلوك كانت من أهم أسباب تلك الموجه من أستغلاله للأزمات للثراء بالجشع والإحتكار وأساليب التخزين التى تؤدى الى إرتفاع القوة الشرائية بشكل مبالغ فيه فيقلل من المعروض فيرتفع السعر.
وأخيراً ...القضاء على الشائعات، ومحاربة تحولها إلى سلوك معادى لقيم المجتمع، يأتى من خلال دور الدولة الجاد فى منظومة ثقافية، وتعليمية، صحيحة وإتاحة المعلومه بشفافية تامة، من خلال وسائل وطرق وأعلام هدف لا يهدف إلى تزوير الوعى وتضليل الفكر لعدد من الإرجوزات الذين يتقاضون الملايين ،ويأكلون ما لذ وطاب ويطلبون من الشعب الإستغناء والتقشف، ففقدوا مصداقيتهم وتسببوا فى إحباط مجتمع بأكمله
١٧٠