محمود سلمان يكتب :- دائـرة اللهـب ... بمشيئة ربنا .. عريسك عندنا !
بهذا الإعلان المضحك المبكي الذي لفت انتباهي كثيراً خاصة وهو يطالعنا بعناد شديد في أغلب شوارع القاهرة والذي يعكس بدوره حاله فريدة وجديدة على مجتمعنا المصري والعربي فالإعلان يخاطب الفتيات على وجه الخصوص ..
وكأن المطلوب منهن أن يبحثن عن عريس المستقبل مستغلاً حالة الاحباط التي تعيشها بعض الفتيات بسبب تأخر زواجهن لعدة أسباب أهمها : عدم وجود الشاب الكفء الذي ُيرضي رغباتهن مادياً وخلقياً واجتماعياً .. وعدم تلاقي الأفكار بينهما برغم كونهما من جيل واحد حتى في حالة وجود هذا العريس أصلاً .. وبالطبع نعلم أن هناك شباب وفتيات يشتركون كأعضاء دائمين في مواقع الزواج المعروفة والتي تكون من باب التسلية لأغلب الشباب وكمحاولة أخيرة من قبل الفتيات لإدراك حياة الاستقرار قبل فوات الأوان وهرباً من نظرات الأهل والمجتمع من تأخر ارتباطهن ..
وبالرغم من توفر بعض السرية في هذه المواقع إلا أن الأسلوب نفسه غير مجد أو مقنع كوسيلة لبناء أسرة مترابطة متفاهمة مما ينتج عنه ضياع وقتهم وإصابتهم بأمراض الانترنت النفسية والجسمية المعروفة ..
أوجاع البنات وآلام الشباب وتأخر زواجهم .. هي بحق قنبلة هذا الزمان التي تستعد للانفجار في أيّة لحظة وبتسارع زمني رهيب وحتى الذي لن يصل اليه لهبها سيعانى حتماً من أبخرتها المتصاعدة ..
تأخر سن الزواج .. نقمة البنات على جنس الرجال .. معاناتهن من ضعاف النفوس وذوي النيات السيئة .. حيرة الشباب أثناء البحث عن شريكة العمر .. معاني تكررت كثيراً بسبب البعد عن الدين والفضيلة وفساد ثقافة بعض الشباب في طبيعة الاختيار وعدم تحمل المسئولية وعدم فهم ماهية ومكانة الزواج والقصد الشرعي الحكيم من هذا العقد الرائع الذي يمثل بداية أسرة جديدة مترابطة يستمد منها المجتمع قوته ومكانته بين الأمم .. ناهيك عن اللهث وراء كل غريب في عالم السماوات المفتوحة والانترنت ..
نظرة الفتيات للشباب على أنهم سيئوا النية على الإطلاق خطأ جسيم يجعلهن يفقدن الثقة في كل الجادين منهم كما يجب على الشاب ألا ينظر الى الفتاة التي خرجت للتعليم أو العمل نظرة ريبة أو شك أو وضعها دوماً تحت عدسة المجهر وبوتقة الاختبار بديلاً عن نظرة الاحترام المتبادلة بينهما.
اشمئزاز بعض الفتيات من جنس الرجال بسبب تجارب صادمة لقلوبهن من ذوي الطبائع اللاهية يجب ألا تنسى معه أن الرجال هم الأب والأخ والعم والخال وهم أحد أسباب وجودها.. وأن الحياة لا تتوقف أبداً على تجربة أو شخص بعينه .
ناهيك عن أحلام البعض منهن التي تطلب شخصاً سوبر مادياً واجتماعياً مع مواصفات خاصة بالدين والجمال سبب رئيس أيضاً .
لذا أصبح لزاماً علينا أن نتساءل : ما العلاج الواقعي ؟ خاصة أن هذه القضية صارت أكبر مشكلة بعد لقمة العيش سواء بالنسبة للشاب أو الفتاة أو حتى الوالدين لأن عدم وجود الحلول هو ما يدفع البعض الى الدخول في تجارب وقتية واهية يكون طرفها الخاسر الفتاة للأسف.
ودعوني أتساءل : كيف نحفظ كرامة الشباب والفتيات ونحاول جاهدين منع تفاقم تلك المشكلة التي لا يخلو بيت منها ؟
فمن شاب يئن ويحترق ذاتياً في دائرة اللهب الى فتاة حائرة بين أن ترضى بأي أحد وبين أن تتحمل رغماً عنها النظرات والهمسات المخجلة وفي الحالتين ضياع لمستقبلهن وهدم للترابط الاجتماعي في البيوت ..
دعونا نتحدث من منظور عام وليس كحالات فردية تهم البعض دون الآخر حتى نساهم في فك شفرة معاناة الشباب من الجنسين والذي يعانى أقسى الظروف ويتخبط في تيه مظلم ويفتقد وجود الأسوة والقدوة ويحاول جاهداً التشبث ببصيص الأمل .. أي أمل .
ولأن أثار التسرع في زيجات غير متكافئة أو منظور إليها بعين العقل والحكمة في الاختيار منذ البداية واضحة جلية .. أسر وبيوت مترابطة ينفرط عقدها وتتناثر حباته في لحظات ولأتفه الأسباب .. فهذا يطلق زوجته لأنه اكتشف أنها لا تجيد الطهي وآخر لأنها تطالبه بمصاريف البيت عدة مرات في اليوم الواحد .. وتلك تهجر بيتها لأنها لا تسمع منه كلمة جميله وزيجات تفسخ لأن العريس لم يحضر العفش الفلاني وذاك يترك خطيبته لأنها ( مش برستيجه ) !
وأصبحنا نسمع العجب.
وسوء الاختيار في العلاقات الزوجية هو ذلك الجرح النازف والداء العضال الذي ينبغي علينا معالجته بمشرط جراح ماهر ولكنه يحمل بين جنباته قلب أم رءوف حنون .. ينبغي أن يكون لدينا دوماً شيء من الجرأة على النقد الذاتي ومواجهة النفس وكبح جماح أهوائها ..
ومشكلة سوء الاختيار التي يشترك كل من الطرفين في صناعتها مع عدم السؤال والتثبت من شخصية كل منهما للآخر قبل الزواج والتي تؤدي الى التسرع عادة .. فبعض الشباب كل همه أن يجد فتاة تحمل كل صفات الحسن والجمال والأسرة العريقة .. ففتاته تلك التي لا توجد إلا في خياله فحسب يصعب عليه إيجادها بطريقة عادية..
والفتاه التي تطلب عريساً من عالم الأساطير أو تفترض عدم وجود مثيله أبدا.. نحن لا ننكر حقهما في تمني ذلك ولكن لا يكن كل همهما ذلك..
نقول لهما : لا بد من حسابات العقل والمنطق مع القلب في اختيار شريك الحياة..
وكبداية للطريق نهمس في أذن كل شاب : اعمل وابحث لك عن شيء تصلح له ولا تقنط وتسوّف .. اجتهد وابحث عن ذاتك فإن لم يكن هنا فهناك .. تحمّل المسئولية وكن كفئاً لحمل الأمانة .. وارع أسرتك وساعد والديك وخفف عنهما وطأة الأيام .. ولا تركن الى تضييع وقتك وصحتك فيما لا فائدة فيه .. وفرص العمل نستطيع تكوينها وليس شرطاً أن نجدها جاهزة بوساطة أو بضربة حظ .. فلا لوم على الحاضر والمستقبل فنحن الذين نصنعهما بجدنا وعزمنا .. اعمل واخطب فتاة ذات خلق ودين وإن لم تكن جميلة فجمال الروح أبقى وانفع .. وأقبل على الحياة بقلب عامر بالإيمان واثق بالله منشرح الصدر لتكون نافعاً لنفسك وأهلك ووطنك ..
ونقول للفتيات : لا ترفضن شباباً كافحوا وعانوا حتى امتلكوا اليسير الذى يعينهم على السعي في الطريق من أجل مظاهر مادية بحتة تتغير بتغير الزمن والمسئولية تقع على عاتق الجميع فلا يهرب الطرفان وينتظر كل منهما صاحبه أن يكمل نواقصه ويمحو عثراته .. فلنبدأ بالمصارحة والتفاهم وإصلاح الذات قبل نقد الآخرين أو الإشارة إليهم بعدم الرضا..
لا نريد من الفتاة أن تنتظر العريس فإن لم تكن تعمل فلتشغل نفسها بالعلم وتعليمه وتحرص على تنمية نفسها وقدراتها بعلم الدين والدنيا لتؤهل نفسها لحمل رسالة الأسرة وإدراك المسئولية قبل بلوغها خاصة وأن بعض فتيات اليوم لا يصمدن كثيراً أمام مشكلات الحياة وتياراتها الجارفة ..
وأقول لكل أب وأم : لا تجبر ابنتك على قبول شاب لا ترتضي دينه وأمانته وخلقه .. دعوا لها الحرية في الاختيار والقبول مع إسداء النصح والتوجيه ولا تخافوا المستقبل أو تقدم العمر بها أو بكم .. فإن أتى صاحب النصيب الذي ترتضونه لا بالمظاهر وحدها بل بالسؤال والتيقن من كونه كفئاً لها ولحمل مسئوليتها فبها ونِعم وإلا فالصبر والثقة في الله.. فالزواج رزق وقدر ومن منا يمكنه استجداء قدر الله المكتوب ؟ وهذا الرزق كشأن كل الأرزاق يرسله الله وقتما يشاء ويمنعه حين يريد..
وعلى الشباب والفتيات أن يضعوا ثوابت للارتباط بلا غلو ولا تفريط خاصة في الأمور المتعلقة بشخصية الطرف الآخر وأما الهفوات التي يمكن تداركها فيجب أن نتعلم معها خلق المغفرة والتسامح واحتواء الآخرين ونبني جسوراً تتقارب فيها الأفكار حتى نعبر بسفينة الحياة الى شاطئها الآخر بسلام وأمان ..
أما من تأخرت بهن سن الزواج من أخواتي .. فحسبكن الله وقدركن عظيم عنده وعند الناس فأغلبكن يقدن الشراع ويتحملن مسئوليات جسام تفوق طاقة الرجال ومنكن من تحمل هم أسره كاملة .. فلا يضيركن شيء .. فكم من متزوجة تعيسة لا تهنأ بحياتها أو تشكو سوء خلق زوجها للناس .. الله كفاكن شر ذلك حتى تلتقين بمن يعرف قدركن وقيمتكن .. اصبرن واحتملن فلو علمتن الغيب لاخترتن الواقع ..
ينبغي أن يكون لدينا جميعاً اليقين الكافي والاطمئنان القلبي بما قدره الله لنا وأن لا يمنعنا ذلك من الأخذ بالأسباب الموصلة إلى تحقيق السعادة لنا ولمن ترتبط أحلامنا بهم متى وجدنا لذلك سبيلا دون مهانة للنفس أو إغضاب للخالق عزّ وجّل..
بذلك نخلق راحة البال وهناءة العيش ونحيا في الدنيا بين جناحين..
يقين بقدر مكتوب يُرضى الله عنا وأخذ بالأسباب والسنن للخروج من تلك الدائرة الرهيبة التي تحرق المشاعر والأخلاق وتدمر القيم ..