الخلط بين صحافة الرائ وصحافة الخبر
ببساطة شديدة حدث خلط كبير في الشارع المصري في الفترة الأخيرة بين طبيعة عمل الصحفي وما ينبغي أن يكون علية ،
حدث خلط بين نوعية الصحفيين وتخصصهم وكتاباتهم فهناك كتاب الخبر وهناك كتاب المقال والرائ ،
فكتابة الخبر تعتمد على وصف الحدث وبقدر تمتع الصحفي بالمهنية ، والحيادية ، بقدر ما أصبح له مصداقيه لدى قرائه ومتابعيه ،
أما صحافة الرائ تعتمد بقوة على الحقائق والفكر والثقافة والأيديولوجية والعلم وتهتم بصفة خاصة بموضوعات الجريمة ونقد اداء الحكام والفساد والموضوعات الخاصة بالتطورات السياسية والإقتصادية والإجتماعية فهي بصفة عامة تخدم الاهتمامات العامة لدى المجتمع
وقد بدأت كتابة الرائ في الخمسينيات وقطعت شوطا طويلا في الثلاثين عاما الأخيرة حتى أصبحت من الأبواب الثابتة في معظم الصحف والمجلات سواء القومية او الحزبية وقد اقتصرت على الكتاب
وقد بدى بوضوح في الفترة الاخيرة أنقسام صحافة الرائ الى قسمين رئيسيين
القسم الأول : لقب بصحافة أبواق الحكومة وهم الكتاب الذين يقولون كل ما تحبه الحكومة وكل ما تحب أن تسمعه منهم وهنا يمكن تسمية هؤلاء الصحفيين ب" أحياء الحكومة " وتجدهم في أعلى المناصب القيادية للدولة فهم مرضى عنهم وأصحاب الحظوة ،،
اما القسم الثاني : فيمثله كتاب الرائ الحقيقيين الذين يمثلون الرائ العام الحقيقي للشارع ويتناولون مشكلات المجتمع وهؤلاء قادرين على التمييز الصحيح بين الصح والخطأ فهم يكتبون بدافع من حسهم الوطني ومن أجل أن يكونوا مرآه للمجتمع بكل تطوراته ومشاكله ،
وقد عانت صحافة الرائ في الأعوام الأخيرة فى كل الدول العربية من أعراض فأصابها ما أصاب الشخصية الإنسانية من ترهل وضعف ووهن ووقعت تحت وطأه الأنظمة السياسية فتحولت الى صحافة "الينبغيات " ليظهر العرض الاول وهو كلمة "ينبغي " والتي تعنى إعتماد الكاتب على معالجة فكرة المقال في صيغة التمني مثل أغلب المقالات التى تتناول الصراع العربي الإسرائيلي يردد فيه الكاتب عبارات التمني قائلا ينبغي على إسرائيل أن تكف عن بناءالمستوطنات
وقد ظهر ذلك العرض واضحآ فى صحافة كل الدول العربية على مدار العصور الفائتة فانتشرت كثرة الأحلام والتمني بدون تحويل الحلم او الأمنية الى واقع لأن اى صراع بين طرفين تحكمه موازين القوى وليس تمنيات طرف على حساب طرف آخر ولا تحكمه الإعتبارات الأخلاقية بل تأتى الإعتبارات السياسية ، والعسكرية ، والإقتصادية ، والتاريخية ، والإجتماعية في الأولوية والمقدمة ،
وان النجاح يكون بقدر ما تستطيع ان تفعل وليس بحجم الإمنيات وفى الفترات الأخيرة أصبح الإستسهال سمة من سمات كثير من المبدعين فنرى العديد من الكتاب قد يقع في خطا عدم الفصل بين ما هو موضوعي او ما هو شخصي ،
ومن وجهة نظري ،،
أحيانا تكون صحافة الرائ في أوقات كثيرة غير مسئولة عندما تصنع رائ عام مزيف أثناء تناول قضية من زاوية واحدة بطريقة غير محايدة مثلما حدث في الأعوام الأخيرة وانحاز عدد كبير من الكتاب مثلا الى التجربة التركية دون دراسة باقي معطياتها أو نتائجها ، أو إنحياز كتاب الى تجارب محلية مثل تجربة التابلت،
والسؤال المطروح ؟ هل الحياة البشرية والنفس الانسانية هي مجرد ان نري ونسمع وان نعلم ونتمنى فقط ؟ في الحقيقة هناك امورآ تخرج عن دائرة الحقائق والنظريات العلمية الثابتة والمعتادة وقد يكون تفسيرها دينيا أكثر ،
فالدين وجد يضع دستورا أخلاقيآ لحياة البشر فقد جاء ليسعد الناس لا ليشقيهم فالحقائق والقيم الروحية لا ينفصلان وسعيهما الدؤوب لسعادة البشرية ،
والخلاصة على صحفي الرائ ان يراعى القيم والإخلاقيات والقواعد الثابتة النابعة من الدين وان يكون متجردا من الأهواء الشخصية وإلا يجعل كل كتاباته "ينبغي "و"نتمنى" بل يطرح حلولا جزرية للقضايا التي يتناولها ،
اما كتاب الخبر عليهم بالحيادية والمهنية والمصداقية برغم الصراع الذى قد ينشا بين السبق الصحفي والاطر الأخلاقية التي تحكمنا وتسود مجتمعنا وعليهم بعدم تحويل الحوادث الفردية الى ظراهر إجتماعية تهدد كيان المجتمع ،
وفى النهاية ،،
لعن الله الصحافة المسفه والمسيئة لقيمنا واعراضنا والصحفي الذى يسئ الى سمعة اسرة مقابل السبق الصحفي او المصداقية فالقيم الأخلاقية والتراحم الإنساني والمودة والرحمة هي الابقى