عبدالحى عطوان يكتب حكاية من قلب القاهرة "العجوز أمام جامع الفتح"
سافرت هذا الأسبوع إلى القاهرة العاصمة الساهرة المتلالئة ليل نهار ظللت أطوف بشوارعها بحثآ عن مبتغاى ،فوجدت عيناى ترصد الكثير والكثير وتقارن الأماكن الفخمة بالأغلبية من مبانى الصعيد، وتزداد هذة الأفكار عندما كنت أجلس على أحد المقاهي فاقارن فى خيالي بين حالها وحالنا وأحيانا يطل براسي ذلك السؤال الذى يتردد فى أذهان الكثيرين، لماذا هذا الظلم البين الواقع على أبناء الصعيد؟ فقد أشعرونا خلال الأعوام السابقة بأننا أبناء الطبقة الثانيه أو أننا من اللاجئين أو المهجرين من بلاد أخرى!! حتى المشروعات العملاقه لم نشعر بمردودها علينا وعلى أولادنا حتى جاءت مبادرة حياة كريمة لترد لنا جزء من حقنا المغصوب، ظلت تراودنى هذه الأفكار حتى كان مساء ذلك اليوم الذي ذاد من عدد الأسئلة التى تدور بمخيلتى فأثناء مرورى بشارع رمسيس لفت أنتباهى تلك الزحمة من المارة أمام جامع الفتح الذى يعد من أقدم مساجد مصر وبالتحديد خلف ذلك السور القديم الشاهد على مدار تاريخه على أحداث تاريخية وسياسية كبرى، وقفت لبرهة من بعيد أراقب ذلك المشهد الذى لم أعرف له تفسيراً.. ولماذا هذه الضجة الكائنه ومع مرور دقائق معدودة من الوقت وجدت فضولى يدفعنى لإستبيان الأمر،
فأقتربت رويدأ رويداً وما أن أخترقت زحام الدائرة الاولى وأصبحت من المحيطين بالحدث، حتى شاهدت أحد الرجال الطاعنين فى السن، والذى تبدو على ملامحه قسوة الزمن من تجاعيد الوجه، وإنحناءة الظهر، ورثة الملابس ،وخطوط العمر التى قاربت من النهاية يفترش الأرض، ويضع أمامه بعض علب من الحلوى أخرجها من تلك الكرتونه المركونه بجانبه والمشدودة بالحبال لحملها على ظهره لبيعها للمارة، وشابان يعترضان على وجوده فى هذة البقعه، التى لا تتخطى متر فى متر وقفت أنصت للحوار الدائر بينهما ،
فالرجل العجوز قائلاً..يا أبنى أرحم شيخوختى أنت لا تعرف ظروفى ولماذا أنا أفترش الأرض للبيع هكذا
الشاب الأول .... يا والدى أنت كده بتضرنا
العجوز.... أنا عمرى ما ضررت أحد فى حياتى أضرك ليه وأنت زى أولادى ،
شاب آخر... يا والدى هل ترضى ينقطع عيشنا أو نتفصل من شغلنا
العجوز.... يا أبنى أنا نصف ساعة وهأخلص وهاقوم أمشي حرام عليك متبقاش انت والزمن عليا
الشاب الأول..... النصف ساعة دى فيها قطع عيشنا وإحنا ملناش ذنب إحنا بنفذ الأوامر والتعليمات
العجوز ....وهنا أغرقت عيناه بالدموع يا أبنى تعليمات أيه هل أنت موظف بالمسجد ولا بالحى ولا فين بالضبط
الشاب الآخر....... ملكش فيه أنت هتحقق معاى خليك فى حالك
العجوز...... أنا يا أبنى فى سن والدك والحياة جبرتنى على بيع شويه الحلوى علشان سقطت من حسابات أولاد و الدولة والاقارب الرحمة ده أفضل من أنى أمد أيديا للناس متعودتش علي التسول
الشاب الأول..... بصوت بدأت تعلو نيراته العصبية لو سمحت قوم ومتخلنيشي أتصرف معاك تصرف تندم عليه
العجوز...... الله يسامحك وفى هذة اللحظة على صوت أحد المواطنين من الماره العابرة للطريق متسائلاً...... بكام طبق الحلوى يا ريس
الشاب الأول...... مش هيبيع يا عم لحد أتكل على الله
المواطن...... رداً على الشاب مالك بتتكلم كده ليه هو فيه إيه ؟
الشاب الآخر...... يا عم مليكش فيه بعد أذنك أتفضل أمشي أن كنت ماشي ممكن؟
المواطن..... ولو ممشيتش هتعمل أيه؟ يعنى أنت عاوز تتخانق وخلاص ؟
الشاب الأول..... يا عم أنت مالك خليك فى حالك كان من باقى أهلك،
ذاد الحوار من شدته وتصاعدت الأصوات من بعض المتجمهرين مما أحدث صخباً كبيراً فوجدت نفسي على الفور متدخلاً فى الحوار متجهاً للشاب الأول بالسؤال ماهى وظيفتك وتعليمات من التى تنفذها؟ قال أنا أنفذ تعليمات وخلاص حضرتك أنت الإ مين
فأجبته ....على الفور أنا مواطن مصرى أعرف حقوقى وواجباتى وأعرف أن وجود هذا الرجل للبيع أمام سور المسجد خطأ لكن لا يعالج الخطأ بالخطأ هو سدد الفاتورة كامله طوال رحلة عمرة ولم يجني الثمرة ماذا قدمتم أنتم له لتحاسبوه؟
الشاب..... أحنا مين ؟
أجبته.... إذا كنت من وزارة الأوقاف فليس لك الحق فى طرده وهو خارج المسجد يفترش الشارع وإن كنت من الحى وفر له البديل أولاً وإن كنت من الشرطه فليس هذا هو الشخص المقصود بعدم التواجد
ونظرت أثناء ذلك على الجانب الآخر من الطريق كانت السيارات الفارهة تمر مسرعه والتى يقودها بعض الصبيه أبناء الأثرياء وعلية القوم وبعد جدال تمكنت من فض الإشتباك بينهما بعدما عرفت هويتهم مع وعد من ذلك العجوز بعدم العودة مرة أخرى لنفس المكان تابعت فى السير خطواتى تنهدت وتصاعدت أنفاسي إلى صدرى حينها أدركت أن الظلم ليس بين القاهرة والصعيد فقط ،ولكن بين سكانها ومناطقها وتصنيف أهلها، وحواريها،
جلست على المقهى أخرجت القلم و النوته الصغيرة التى تلازم جيبي ووجدتنى أكتب عبارة واحدة .. أن كان الله سمح بهذه الفروق بين البشر فلتكن دعواتنا اليك يا الله أخرجنا منها مبكراً سالمين وإن كانت الفروق من ظلم البشر فلتسقط عدالة السماء على الغلابه والمطحونين وعلى الدولة قبل العقاب تقدم الإكتفاء فلا تنميه حقيقية بعيدآ عن الارقام المغلوطه دون أن يظهر مردودها والتنمية فى البشر أعلى من التنمية فى الحجر .