صفوت عمران يكتب مفاجأة والي عكا ليس خائنا
شاهدنا في فيلم الناصر صلاح الدين والي عكا خائنا وعميلا للصليبيين .. فهل كان والي عكا خائنا بالفعل؟؟ .. ذاع صيت الفيلم السينمائي الناصر صلاح الدين ولا يعلم كثير منا أن هذا العمل الفني به كثير من الأخطاء التاريخية..
#بمجرد القول "والي عكا" يتبادر في الأذهان العمل السينمائي "الناصر صلاح الدين" الذي جعل اسم والي عكا مثالاً للخيانة في المشهد الشهير الذي جسد فيها الفنان "توفيق الدِقِن" حينما أمَر برَمي السلاح في الأبيار المؤدية للبحر و الصيحة الشهيرة: "أين السلاح .. خيانة .. خيانة"، وما تَبِع المشهد من احتفال والي عكا بدخول الفرنجة بسهولة ومقولة الفنان "حمدي غيث" الذي جسّد شخصية الملك ريتشارد‘ قائلاً: "معركة عكا كانت نزهة عسكرية لا حرب بالمعني الصحيح" ؛ طبعاً كل ما سبق ذِكره كان لزوم تزوير التاريخ بشكل ليس برئ كما يدعي البعض بأنه لزوم الحبكة السينمائية.
الواقع .. إن والي عكا الذي ظهر في الفيلم خائنا وعميلا للصليبيين ولعب دورا كبيرا في تسليم عكا لهم هو الأمير بهاء الدين قراقوش، وحسب المصادر التاريخية الموثقة فإن الأمير قراقوش هو أحد كبار مساعدي السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، ومن أخلص أعوانه وأقربهم إليه، وكان قائدًا مظفرًا، وجنديًّا أمينًا، ومهندسًا حربيًّا منقطع النظير، وقد لعب دورا مهما في مصر والشام وبالتحديد في عكا.
#من هو بهاء الدين قراقوش
هو أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأســدي الملقب بأسم بهاء الدين كان من رجال الدرجة الأولي في ولاية ‘صلاح الدين’ وأسند الأخير له تنفيذ خطة لحماية القاهرة، التي تشمل قاهرة المُعز والفسطاط والعسكر والقطائع بسور, كما قام ببناء قلعة الجبل "قلعة صلاح الدين" لتأمين القاهرة من الغارات الخارجية، وقد كان قائداً مشهوراً بالصرامة وأرتبط اسمه بالعديد من المواقف الشجاعة.
#ولايته على عكا
بعد انتصار صلاح الدين على الصليبيين ونجاحه في طردهم من بيت المقدس، واصل زحفه حتى استولى على واحد من أكبر حصونهم في الشام وهو حصن عكا، بعد أن قدم عددا كبيرا من الشهداء، وكان الحصن قد تهدمت منه أجزاء كثيرة أثناء المعارك، ورأى صلاح الدين أن يترك عكا أمانة في يد الأمير قراقوش، ويذهب هو ليواصل زحفه لتحرير باقي الأراضي التي احتلها الصليبيون، قبل أن يفيقوا من هزيمتهم في عكا، وذلك نظراً لحنكته وذلك لتعمير وتحصين المدينة، فبقي الأمير قراقوش حارسًا للمدينة مع حامية صغيرة، وعمل على ترميم ما تهدَّم من سور المدينة، لكنه ما كاد ينتهي من عمله هذا حتى واجه ما لم يكن في حسبانه؛ فالصليبيون الذين أجلاهم صلاح الدين عن القدس وهزمهم بعد ذلك في عكا، تجمعوا وزحفوا على عكا من جديد وحاصروها، واستمر حصارهم لها عامين فيما يعرف بالحملة الصليبية الثالثة بقيادة ريتشارد قلب الأسد.
وكان وقتها صلاح الدين مشغولاً بمحاربتهم في مكان آخر بالشام، وذاق قراقوش ومن معه مرارة الحصار داخل أسوار عكا، وتحملوا أقصى ما يمكن أن يتحملوه من عناء وتعب، ونفدت أثناء الحصار الأطعمة، ووجدوا صعوبة شديدة حتى في الحصول على الماء للشرب، وما كان لوالي عكا إلا انه قرر مهاجمة الصليبيين فقام بفتح أبواب المدينة وخرج في قتالهم فوقع في الأسر, ثم نال حريته في صفقة لتبادل الأسري بين "صلاح الدين" و "ريتشارد".
التاريخ يظلم قراقوش
تعرضت سيرة "بهاء الدين قراقوش" والعديد من أعلام المسلمين للتشويه والانتقاص، بشكل متعمد وللأسف نحن لا نقرأ تاريخنا لذا من السهل أن يزوره أي أحد معتمد على جهل الكثير منا، ونظراً لأن "قراقوش" يعتبر شخصاً مغمور لا تُذكر سيرته, فقد لا تري اسمه الا اذا بحثت في سيرة "صلاح الدين الأيوبي" وإذا شرعت في ذلك سوف تجد بصمات واضحة لـ"قراقوش" في إنجازات السلطان "صلاح الدين".. لدرجة أن مزوري التاريخ اكسبوه شهرة مزيفة نقلته من قائمة المحاربين والمهتمين بالعمارة الإسلامية إلي قائمة الحمقي والطغاة إذ مار رأي اي شخص أي تصرفاً ظالماً يصفه بـ"حُكم قراقوش"
1- عهد الناصر صلاح الدين ببناء القلعة إلى نائبه أبو سعيد قراقوش بن عبدالله الآسدي، وهو أحد مماليك عمه أسد الدين شيركوه، وقد عُرِفَ بـ "قراقوش"، وهى كلمة تركية بمعنى "طائر العُقاب – العُقاب الطائر"، وقد كانت شخصيته موضعاً للعديد من الأساطير والروايات الغريبة في بعض كتب التاريخ، والتي تتحدث عن ظلمه وتعسفه وتصفه بالديكتاتورية والاستبداد، وأنه كان صاحب المتناقضات؛ ومن ثم كانوا يطلقون على أي حُكم استبدادي في التاريخ المصري لقب: "حكم قراقوش"، ولكننا لا نستبعد أبداً أن تكون تلك الروايات التي حيكت حوله من نسج خيال بعض الناقمين عليه؛ نظراً لعلو همته وحزمه، وأثبتت النصوص عدله وكفايته.
2- اعتمد عليه صلاح الدين منذ أن كان وزيراً للخليفة العاضد فجعله قائداً من قواد جيشه، فاستعان به فى حملته إلى بلاد المغرب فى سنة (568هـــ/ 72– 1173م)، فاستولى على طرابلس الغرب، فضلاً عن الكثير من بلاد إفريقية؛ وبالتالى ضمن سيادة صلاح الدين على برقة، ومن ثم حماية حدود مصر الغربية.
3- أسند إليه صلاح الدين منصب "زمـام القصر" أى المشرف على شئونه، وذلك عقب مؤامرة مؤتمن الخلافة جوهر والجند السودانيين (564هـــ/ 1169م).
4- أوكل إليه صلاح الدين الأعمال الجِسام فى مصر والشام أثناء انشغاله بمحاربة الصليبيين، وذلك بعد توليه السلطنة على مصر والشام، فأقام السور الدائر (أجزاء منه) وقلعة الجبل بمصر، كما أقامه نائباً عنه فى ولايتى عكا ويافا، وقد نجح فى المقاومة والزود عن الأولى (عكا) ضد الهجوم الصليبى الكاسح بقيادة ريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا، ولمدة سنتين تقريباً سنة (587هـــ/ 1191م)، ويذكر المؤرخ شهاب الدين أبو شامة الدمشقى فى كتابه "الروضتين فى أخبار الدولتين (النورية والصلاحية)" – (ت 665هـــ/ 1268م) – أن: "صلاح الدين قد استغل الهدنة الناتجة عن صلح الرملة الذى عُقد مع ريتشارد سنة (588هـــ/ 1192م) فى العمل على خلاص أصحابه من الأسر ومنهم بهاء الدين قراقوش والى عكا السابق والذى تلقاه السلطان بالبشر والبر"، وهو دليل على عظيم شأنه وارتفاع مكانته لدى صلاح الدين.
5- كل بطانة صلاح الدين كانت صالحة وعادلة ومنهم مستشاره أبو على محيى الدين اللخمى المعروف بالقاضى الفاضل، حتى أن صلاح الدين قال عنه: "ما انتصرت بحد السيف وإنما انتصرت بقلم القاضى الفاضل".
6- يكفى لتبرئة قراقوش أنه كان نائباً للناصر صلاح الدين قمة العدل؛ فكيف له أن يولى ظالماً النيابة عنه أثناء انشغاله بمحاربة الصليبيين.
وفاته
ظل "بهاء الدين قراقوش" في خدمة "صلاح الدين" وولديه لفترة تزيد عن 30 عاماً, توفي في القاهرة سنة 597 هجرية – 1201 ميلادية، ودُفن بسفح المقطم بالقرب من بئر وحوض أنشأهما هناك، وكان قبره معروفاً حتى القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي.