الجريمة الإلكترونية بين الوصف والتحقيق والقضاء.
بالتزامن مع معطيات الثورة التكنولوجية بما أتاحته من فوائد عديدة، تمثلت في تيسير وسائل الإتصال والتواصل بين أرجاء المعمورة، وتسهيل إمكانية تبادل الخدمات والمعلومات بشكل فوري بصورة جعلت العالم كله وكأنه بات قرية واحدة، إذ ظهر قرينا لهذا الوجه من المنفعة وجها أخر للمضرة تشكل في نوعا من الإجرام الغير تقليدي أصطلح على تسميته بالجريمة الإلكترونية، وهي من وجهة نظري القانونية يكمن تعريفها بأنها كل اعتداء يتم من خلال إستخدام وسيط إلكتروني يقع على مصلحة يحميها القانون.
غير أن وجه الاختلاف في هذه الجريمة عن غيرها من الجرائم الأخرى يتمثل في أن فاعلها يتصف دائما بأنه من الأشخاص ذوى الخبرة الفنية والذكاء والاحترافية في التعامل مع الأنظمة الإلكترونية وهم من يطلقون عليهم ذوى الياقات البيضاء، فضلا عن أن لهذه الجريمة خصوصية في طبيعتها تتمحور في أن مسرح أحداثها لا تتخلف فيه أثارا مادية يمكن من خلالها الاستهداء أو الاستدلال على من قام بارتكابها عقب وقوعها، فضلا عن أن الفاعل لها لا يحتاج إلى تواجد ذاتي على مسرح واقعاتها إذ يمكنه وهو في دولة معينة أن يرتكب وقائعها والتى تكون في دولة أو قارة أخرى دون أن يكون بحاجة إلى الانتقال من موضع أقامته الذي يعيش فيه.
كما تتمثل خطورتها كجريمة في فداحة خسائرها الاقتصادية و عمومية أهدافها، وتنوع ضحاياها، فكما أنها من الممكن أن تقع على الأفراد من خلال تعرضهم للسب والقذف او الابتزاز و التشهير عبر شبكة الإنترنت، يمكن أيضا أن تقع على البنوك والشركات عن طريق الاستيلاء على أرصدة العملاء إلكترونيا أو تدمير قواعد البيانات الخاصة بهم، كما أن الحكومات أيضا ليست عنها ببعيد لإمكانية قيام مرتكبيها عبر الشبكة العنكبوتية باستهداف المواقع الرسمية للدول والتي تكون في الغالب مرتبطة بأمنها القومي وخدماتها الحيوية مما يؤدى إلى اختراقها أو تعطيلها أو إتلاف محتوياتها.
ونظرا لخطورة هذا النوع من الإجرام ذو الصبغة المعلوماتية وتفشيه على المستوى العالمي فطنت الدولة المصرية بكل مؤسساتها فأخذت على عاتقها إصدار القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات والذي بدأ العمل به فعليا منذ 15 أغسطس 2018 ليضم رصدا شاملا وتصنيفا كاملا لكل صور وسلوكيات الإجرام الإلكتروني والعقوبات التي يستحقها مرتكبيها والمتمثلة في الحبس الوجوبى والغرامة المالية التي قد تصل إلي ملايين الجنيهات، وفي ذات الصدد لم تألوا مصر جهدا إذ أبرمت العديد من اتفاقيات التعاون الأمني في هذا المجال بينها وبين دول عديدة حتى تتمكن من ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم سواء كانوا داخل أو خارج إقليمها الجغرافي. وبالبناء على ما تقدم تكون النيابة العامة هي المختصة بالتحقيق في هذه الجريمة وضبط مرتكبيها وتقديمهم للمحاكمة، ويعاونها في ذلك الجهاز القومي للاتصالات كونه الجهة المنوط بها إبداء الرأي الفني في أدلة الدعوى الجنائية ألمقامه عنها، و تتولى المحكمة الاقتصادية التي وقعت في إطار دائرتها هذه الجريمة قضاء الحكم في موضوعها.