ولكم في القصاص حياة
يتحدث المجتمع كله اليوم عن أعلى موضوع يحصل على تريند جوجل في مصر وهو قضية الشهيد محمود البنا الشهيد الصغير الذي لم يجد الأمن والأمان ولم يجد الحماية و استشهد على يد ذلك البلطجي الذي أصبح وجودهم مشاعا في مجتمعنا والآن يبحث المجتمع المصري عن القصاص , لقد أصبحنا متعطشين للقصاص ذلك الذي حرمنا منه كثيرا الذي شرعه الله عز وجل وهو أعلم بخلقه لكننا لم نجده ولم يشف قلوبنا في العديد من المواقف والقضايا .
لم نجد القصاص لأسباب متشعبة و متضافرة لا نستطيع تحديدها على وجه الدقة لكنها تتلخص في تضافر الفساد بالبلطجة بالمحسوبية بالمال خلطة قوية لها مفعول السحر الذي دائما ينصر الظالم على المظلوم ودوما يقتل القصاص الذي هو حياة ,
ولو تأملنا كيف يكون القصاص حياة سنجد أنه حياة الروح , فهل إذا تحقق العدل والحق وتساوت القوى وماتت المحسوبية وجاء القصاص لتطهير الظالم من الذنب وإعطاء المظلوم حقه كاملا لدبت الروح في الجسد وبدأ المجتمع يتنفس طعم الحياة .
إن القصاص العادل هو الذي يعدل مسار المجتمع ويوجه دفته ويشفي قلوبا حزينة أرهقها الظلم ….
والعدل هو أساس القصاص وبدونه ضاع الحق وأصبح مجهولا , فإذا كان الله عز وجل يقول إن القصاص لنا فيه حياة , إذا فبدونه نصبح موتى ولا نتذوق طعم الحياة ,
إن انتشار ظاهرة البلطجة في مجتمعنا والتي أيضا لا نستطيع تحديد أسبابها المباشرة إنما هي أفرزت لنا من اتحاد غريب وعجيب من نقص التعليم ونقص النشأة الدينية والتربية و تفكك الأسرة و انحلال المجتمع والنشأة المبكرة على الفن الهابط من أفلام العنف وإظهار البطل البلطجي على أنه مثال للبطولة والرجولة والقوة يحتذى وأصبح مثلا أعلى يقتدى به في ملبسه ومظهره وتصرفاته , وهنا ضاعت الأخلاق وأصبح الشاب لا يميز الشر من الخير واختلطت أمامه الأمور , فلم يعد يلمس رقيا ولا يعرفه إنما جاء التدني في كل شئ ليصبح هو سيد الموقف .
اجتمع المجتمع الآن على الرغبة الشديدة في الحياة أو في القصاص الذي سوف يمنح المجتمع حياة جديدة فيها انتصار الخير ونصرة المظلوم وسحق الشر وانهزام الظالم , هذا الاجتماع ما هو إلا تعطش شديد لذلك القصاص الذي افتقدناه دوما في الكثير من قضايا حياتنا , وإلا لو لم ينتصر المظلوم لساد الظلم وانتشر وانسحبت الحياة من عروق المجتمع ودب الموت في أركانه و منحتنا البلطجة تصريحا بأن تكون هي سيدة الموقف .
إن تلك السلطة والمحسوبية من الضراوة والقوة حتى أن والدة الظالم أدلت بتصريح مستفز بأن ولدها لن يقتل ولن يتم القصاص منه , قد تمنحهم السلطة بريقا , ووصولا عاليا واستقرارا تاما على أرضهم الثابتة التي أساسها هو الظلم والقهر , نسيت حينها في قمة مجدها المشبوه بأن هناك تصريحا آخر جاء من فوق سبع سماوات صرح به الله الخالق الواحد العدل مالك الملك وهو : [ ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ] ٣٣ الإسراء
وتصريح نبوي ( من قتل يقتل ولو بعد حين ) .
لقد عميوا فأصبحوا يعتقدون أنهم يقتلون ويخربون و ينهبون وأن ذلك حقا لهم بلا عقاب ولا رادع , لقد شربوا من عباب الخيال حتى سكروا أعمتهم القوة فأصبحوا يتخبطون في الحياة ظانين منهم أنهم آلهة لن يحاسبهم أحد , إنها سكرة وغفلة يعطيها الله لمن أراد أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر .
وسيظل دوما القصاص هو من يعدل كفة الميزان و يهبنا الحياة .
إن الإجماع على قضية محمود البنا ما هو إلا تحقيق لتلك الآية العظيمة : [ من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ] 32 المائدة
إن القاتل لم يقتل الشهيد البطل مفردا وإنما قتلنا كلنا فاجتمعنا على المطالبة بالقصاص الذي لن يكون غيره لنا حياة .