صفوت عمران يكتب للخبر الفورى : الصراع الطبقي الخفي في مصر
تتطور الأمم عندما يزيد عدد أبناء "الطبقة المتوسطة" ويكون الصعود لها ومنها طبيعياً وسهلاً، باعتبارها الحارس الأمين علي قيم وأخلاق المجتمع .. أي مجتمع .. ومصدر تطوره، وأيضاً هي حائط الصد الذي يمنع الصدام بين الطبقتين الغنية والكادحة، ويعالج الصراع بينهما بأقل الخسائر .. كما تبرز "الطبقة المتوسطة" بقوة ويزيد تأثيرها في أي مجتمع يضع الرجل المناسب في المكان المناسب ويتقاطع مع الواسطة والمحسوبية والرشوة وكروت التوصية، ويحارب الفساد ويمنع خرق القانون، ويحترم حق كل مواطن في السكن الآدمي والعلاج المجاني والتعليم المجاني والمتميز ويمنح جميع سكانه الحق في العمل المناسب والترقي وفقا للفروق الفردية والكفاءة والخبرة، وتوفير الحد الأدنى من الوعي الثقافي والاجتماعي.
في المجتمعات التي يحكمها الدستور والقانون ويسودها العدل والمساواة يصعد عدد من أبناء "الطبقة المتوسطة" بشكل تلقائي لينضموا للطبقة العليا الغنية، كما أنها تفتح أبوابها لعدد كبير من أبناء الطبقى الكادحة والعاملة لينضموا لها أثناء السير في طريقهم الطبيعي لتحسين أوضاعهم مستفيدين من عدالة المجتمع، وغالبا ما يكون العمل الشريف شعار أبناء هذه الطبقة، وكلما كانت الطبقة المتوسطة قوية ومتماسكة فإنها تفرض قيم العمل الشريف والصعود الطبيعي على جميع أبناء المجتمع كما تمنع انحراف وفساد الكبار والصغار معاً.
الواقع .. في مصر خلال السنوات الأخيرة نشاهد صراع طبقي متجدد، صراع تكمن خطورته في تآكل الطبقة الوسطى أو المتوسطة التي كانت دائما حائط الصد لمنع صدام الطبقتين العليا "الغنية" والسفلى "الكادحة"، الطبقة التي كانت في عهود سابقة ينتمي لها العديد من الذين صعدوا عبر مواقعهم الوظيفية ونجاحهم العلمي والعملي والاقتصادي إلى الطبقة العليا، كما انضم لها بهدوء وثقة الكثير من أبناء الطبقة السفلى بل إن بعض هؤلاء اتخذ الطبقة المتوسطة محطة للعبور الآمن نحو الطبقى العليا.
الخطر خلال السنوات الأخيرة شهدت الطبقة العليا الغنية متغيرات كارثية بعدما أصبح المال وحده أحد أهم معايير الدخول إليها والخروج منها، بعيدا عن الثراء الأخلاقي والاجتماعي والثقافي والقيمي، فقد إنضم إليها عدد لا بأس به من الأثرياء الجدد من تجار المخدرات والسلاح وتجار الآثار ورجال الممنوع وناهبي أراضي الدولة واثرياء السمسرة ومحترفوا غسيل الأموال إلى جانب عدد لا بأس به من موظفي الدولة المرتشين وخارقي القانون وبالطبع وأولادهم، بل نجحوا عبر المال بالاستيلاء على عدد كبير من المواقع الوظيفية القيادية في الجهاز الإداري للدولة، فتراجعت قيم العمل والتميز أمام احكام المال الفاسد والمال الحرام.
اللافت أن الصعود المفاجئ والمباشر بسرعة الصاروخ من الطبقى السفلى الكادحة إلى الطبقة العليا الغنية يظهر أيضاً بوضوح عند حدوث المتغيرات السياسية الكبري داخل المجتمع، أي مجتمع، وفي مصر برز ذلك في العصر الحديث منذ عصر المماليك ثم محمد علي واستمر مع تعاقب الأنظمة الحاكمة، وبات أي نظام سياسي يريد أن يكون له رجاله، يضرب كل القواعد المنطقية ويأتي من الكواليس بأشخاص - الكثير منهم مجهولين - ليكونوا نخبته وصفوة رجال حكمه ليدينوا له بالولاء بسبب تصعيدهم من القاع إلى القمة دون ترتيبات منطقية فأصبحت القاعدة هي: "الولاء قبل الكفاءة".
الاخطر أن أبناء الطبقة العليا الجدد الذي يريدون نسف حمامهم القديم والتقاطع مع الماضي بكل متاعبه، ويتنكرون لماضيهم القريب، يرددون فرضيات المشروع الصهيوني الأكبر "مخطط المليار الذهبي" ويؤكدون أن الآخرين "الفقراء مالياً" يقفون وراء كل بلاء وسبب كل مشكلات المجتمع، ويجب قتلهم والتخلص منهم جميعاً حتى ينعم العالم بالراحة وحتى يعيش الأثرياء الجدد في هدوء.
وبسبب التشوهات التي أصابت الطبقة العليا الغنية على مدار عقود طويلة بدأت بشعار "معاك قرش تسوى قرش" أو "معاك جنيه تسوى جنيه" مرورا بشعار "ميعبش الراجل إلا جيبه" وصولا لجوهر كل فساد "الجنيه غلب الكارنيه" ثم "الجنيه اشترى الكارنيه" والذي أصبح دليل يومي على شراء أصحاب المال لرجال السلطة ولك أن تتخيل عقود طويلة من بيع رجال السلطة لأنفسهم وضمائرهم مقابل المال ثم انتهى الأمر بـ"زواج المال والسلطة" .. كل ذلك وغيره جعل المال الذي يشتري السلطة والنفوذ ويُمكن صاحبه من دخول الطبقة العليا - حتى لو كان مال ملوث - هدف الملايين من ابناء باقي الطبقات، لذا يسعى الكثيرون لامتلاك المال بأي وسيلة لتحقيق ذلك الانتقال الطبقي المنشود .. وهو خطر لو تعلمون عظيم.
اللافت أنه في نفس الوقت الذي يريد الأثرياء - الجدد والقدامي - التخلص فيه من أبناء الطبقى الكادحة بالموت باعتبارهم وراء كل بلاء، يفكر عدد ليس بقليل من أبناء الطبقى الكادحة الذين طحنهم الفقر ولم يتمكنوا من الثراء سواء شرعياً أو فاسداً، بأن الأثرياء هم سبب كل ما يعانون من مشكلات وإن حياتهم لن تستقيم في وجود هؤلاء اللصوص وسارقي قوت الوطن بحسب تعبيرهم، لذا يجب التخلص منهم فورا.. وهو صراع واقعي مكتوم ويتمدد حتى لو أنكرت السلطة وجوده .. صراع يتصاعد حتى لو لم نتحدث عنه بشكل علني.
الغريب أنه في ظل غياب حوار مجتمعي حقيقي وتراجع لقيم المجتمع، وإهدار لتعاليم الأديان والتقليل منها ومن قيمتها، ومحاولات ممنهجة لتشوية كل ما هو ديني، والإساءة لكل ما هو أخلاقي، بات هناك من يُغذي صراع عنيف بين طبقات المجتمع، صراع بات مخيفاً خاصة بعد انهيار حصن الطبقة الوسطى خلال العقد الأخير، وبات الصراع واضح، والمواجهة حتمية بين الفقراء المعدمين والمسروق قوتهم والأثرياء الجدد .. بات الصراع واضحا بين 60% من الشعب يعيشون تحت خط الفقر وطبقة الأثرياء الجدد أو اللصوص الجدد .. وبات الفريقان يرفعان شعار النصر التام أو الموت الزؤام .. وهي حرب يدفع ثمنها المجتمع بالكامل خاصة هؤلاء الشرفاء الذين صعدوا للطبقة العليا بمجهودهم وقدراتهم وبشكل طبيعي وبدون فساد وأبناء الطبقة الوسطى الذين مازالوا يمسكون على مبادئهم.