الأخلاق و العصر
الأخلاق طابع فينا
أخلاقنا روح لا تموت فى غيابنا
قيل فى الأثر" إن أدب الأخلاق لايباع ولا يشترى بل هو طابع فى قلب من تربى عليه " ومن ثمه فالأدب قوامه الأخلاق ، والأخلاق نسيجها الأول
" الحسن " .
وليس الفقير من فقد الذهب إنما الفقير من فقد الأخلاق والأدب ، وعاش فى الدنيا يشتكي فقره ويلعن حظه ويندب ظروفه ، لذا كان لابد من العلم، ولكن ليس أى علم ، فالعلم المطلوب هو العلم القائم على الأخلاق فلا فلاح فى علم دون أخلاق ،و بالعلم تنجذب العقول وتقف مشدوهة أمام روعة العلم وبالأخلاق تنجذب القلوب وتقع فى أسر أصحاب الاخلاق بكل سعادة وفرح .
وعندما تنجذب القلوب يفوز الإنسان برضا الله والناس لأنه يملك حسن الخلق، اذكر هذا تبصيرا لما آلت إليه الأخلاق الآن فلا احترام للكبير أو للعالم وبات الخروج عن الأخلاق موضة هذا العصر ومجالا للتفاخر والتنافس وأصبحت القيم الإنسانية فى طريقها للانقراض، ولهذا ندق جرس الانذار لتعلن أننا فى حالة استنفار من أجل الأخلاق قبل فوات الأوان، فما نربى عليه أبناءنا سوف نجني حصاده قريبا وقبل حتى أن نتوقع ، ولكن هو حسن الخلق ؟؟؟؟؟
تعريف حسن الخلق
حسن الخلق هو تلك الواحة الغناء مترامية الأطراف و التى يرى الناس فيها حسن خلف الإنسان ( قولا وفعلا) فينعمون فيها بكل خير وينهلون من ثمارها القيمية ، وتبقى ذكرى الإنسان خالدة بمقدار حسن خلقه "المرء بالأخلاق يسمو ذكره وبها يُفضَّل في الورى ويُوقَّر" ، وحسن الخلق هو المروءة بكل أحوالها والمروءات أربع: العفاف، وإصلاح الحال، وحفظ الإخوان، وإعانة الجيران.
وحتى نكن من ذوى الخلق الحسن فعلينا بالتعفف وأن يكون حالنا مع الله والناس سرا وعلانية على أفضل ما يكون، نصون اخوننا ونعين جيراننا ونصل رحمنا ، وحسن الخلق بعيد كل البعد عن الرياء والنفاق
"قد يحوز الإنسان علماً وفهماً وهو في الوقت ذاته ذو نفاق مُرَاء".
وليس قصد حسن الخلق هو الصلاح فقط ولكن أن تكون صالحا لعمل ما وشىء ما وقول ما ومنصب ما واتجاه ما ومكانة ما "ليست الأخلاق أن تكون صالحاً فحسب بل أن تكون صالحاً لشيء ما".
ويكسب حسن الخلق لصاحبه كل الخير من كافة النواحى المادية والمعنوية والبركة فى المال والولد والعمل والسعي، وكلما اتسعت رقعة الخلق لدى الإنسان اتسعت مكاسبه "في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق".
وحسن الخلق هو الإنسانية فى أسمى معانيها فلا علم ولا فقه دون خلق راق "لا يمكن للإنسان أن يصبح عالماً قبل أن يكون إنساناً".
وحسن الخلق مداد دائم يبقى فى الإنسان ويوجهه ويظهر فى كافة تصرفاته وأفعاله وأقواله، وكما نقول" أخلاق الازدحام" فالازدحام يرينا أخلاق الناس على حقيقتها وكذلك الشدة "تنكشف الأخلاق في ساعة الشدّة".
وصاحب الخلق الحسن يخجل عند المدح، ويظهر معدنه الحقيقي عند الهجاء فتجده يسكت عنده ليس ضعفا ولكن لحسن خلقه وحتى لا ينزلق فى هوة السوء "الخلوق من إذا مدحته خجل، وإذا هجوته سكت"
تعريف حسن الخلق شرعا
عرف الشرع حسن الخلق بأنه : بذل المعروف مع طلاقة الوجه البشوش وكف الأذى عن الناس والكائنات، وكبح جماح الغضب وتحمل الأذى من العباد والسير على هدي الحبيب البشير سيدنا محمد صل الله عليه وسلم حين أوصى أبا هريرة بوصية عظيمة جامعة فقال: (يا أبا هريرة ! عليك بحسن الخلق)
حسن الخلق فى اللغة العربية
وعرفت اللغة العربية حسن الخلق
بأنه صفةٌ لما "حَسُنَ" من القول والفعل، فعند الوصف نقول رجلٌ حَسَنٌ وامرأةٌ حسناء أو حسّانة مما يعني أن الجمال هو الحسن وكما ذكر أن أحاسن القوم أحسنهم وحسن الخلق ضد القبح.
أمر واجب
وقد أمرنا الله -سبحانه وتعالى - بالقول الحسن فقال في محكم آياته فى سورة البقرة: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) أمر واضح وصريح بحسن القول لأنه الباب الذي ندخل منه للتعامل مع الآخرين فنكسب ثقتهم وحبهم وننال رضاهم .
قول الحبيب فى حسن الخلق
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم عن حسن الخلق -: (البِرُّ ما اطمأنَّتْ إليه النَّفسُ، واطمأنَّ إليه القلبُ، والإثمُ ما حاك في النَّفسِ وتردَّدَ في الصَّدرِ، وإن أفتاك الناسُ وأَفْتَوْك)
وهذا يعنى أن نفس المسلم لكى تفوز بالاطمئنان لابد لها من الرضا والرضا يأتى من رضاء النفس عن كل عمل وقول يقوم به الإنسان ،
وأوضح الحديث بما لا يدع مجالا للشك أن الأعمال سواء الحسنة أو السيئة واضحة وضوح الشمس وأغلب الناس يعرف التفريق بينها .
ويوم القيامة وعند الحساب سوف يفوز صاحب الخلق الحسن فأثقل ما يوزن ويقاس فى ميزان المرء هو الخلق الحسن بينما يخسر صاحب الخلق السيّء فى الدنيا إذ يكرههُ النّاس ، وفى الآخرة يبغضُه الله -تعالى
وفى هذا الصدد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(ما شيءٌ أثقلُ في ميزانِ المؤمِنِ يومَ القيامةِ مِن خُلُقٍ حسَنٍ، فإنَّ اللَّهَ تعالى ليُبغِضُ الفاحشَ البَذيءَ)
العلماء والحكماء وحسن الخلق
وأجمل العلماء والحكماء أن حسن الخلق فى أن نكظم الغيظ وويصبح لدينا القدرة على العفو، والاتصاف ببشاشة الوجه وصلة الرحم ولطف العشرة والعشيرة والمبرّة والطّاعة وإحسان الصحبة للإنسان وغيره والعطاء بكل صوره وقوة الاحتمال فى كل وقت وحال .
أقوال العلماء فى تعريف حسن الخلق
قال عنه ابن القيّم -رحمه الله-: إن حسن الخلق يقوم على أربعة أمور أساسية، وهي:
الصّبر
والعفّة
والشّجاعة
والعدل
لخص ابن القيّم حسن الخلق فى هذه الصفات الجامعة والأساسية لفوز الإنسان برضاء الله عز وجل والناس
قال الشعبي عن حسن الخلق: هو البذلة والعطيّة والبِشرُ الحسن.
قال الماوردي -رحمه الله- في تعريف حسن الخلق ووصف صاحبه: "أن يكون:
سهل العريكة
ليّن الجانب
طليق الوجه
قليل النّفور
طيّب الكلمة
إذا أحسن الخلق هو اللين والبشاشة وطيب الكلام بداية من السلام مرورا بالنصيحة ووصولا للدعاء وتمنى حسن التوفيق والرجاء .
قال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- عن حسن الخلق :
"هو خلقٌ فاضلٌ عظيمٌ،
أساسه: الصّبر، والحلم، والرّغبة في مكارم الأخلاق.
وآثاره: العفو، والصّفح عن المسيئين، وإيصال المنافع إلى الخلق أجمعين.
لقد لخصها القرآن
وها نحن أمام معجزة قرآنية إذ
جمع الله -سبحانه وتعالى -حسن الخلق في آيةٍ واحدةٍ، فقال الله -تعالى-:
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ {الأعراف:199}.
وهذا يعنى حسب تفسير الألوسي:
(خُذِ الْعَفْوَ) أي: ما عفا، وسهل، وتيسر من أخلاق الناس، وإلى هذا ذهب" ابن عمر، وابن الزبير، وعائشة، ومجاهد -رضي الله تعالى عنهم-، وغيرهم"
وأخرجه ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن آدم مرفوعًا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
والأخذ هنا مجاز عن القبول،والرضا، أي: ارض من الناس بما تيسر من أعمالهم، وما أتى منهم، وتسهل من غير كلفة، ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم؛ حتى لا ينفروا.
وجوز أن يراد بالعفو: ظاهره، أي: خذ العفو عن المذنبين، والمراد: اعف عنهم، وفيه استعارة مكنية؛ إذ شبه العفو بأمر محسوس يطلب فيؤخذ، وإلى هذا جمع من السلف. ويشهد له ما أخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وغيرهما عن الشعبي قال: لما أنزل الله تعالى: "خُذِ الْعَفْوَ... إلى آخره، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما هذا يا جبريل؟ قال: لا أدري حتى أسأل العالم؟ فذهب ثم رجع، فقال: إن الله تعالى أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.
(وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) أي: ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم، ولا تمارهم، واحلم عليهم، وأغض بما يسوؤك منهم.
وعن السدي: أن هذا أمر بالكف عن القتال.
وقد ذكر جميع الفقهاء أنه ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية.
و عن الحسن -رضي الله عنه- قال: "حسن الخلق:
الكرم والبذلة والاحتمال".
و قال عليّ -رضي الله عنه-: "حسن الخلق في ثلاث خصال؛ اجتناب المحارم
وطلب الحلال
والتّوسعة على العيال"
أى اجتناب وطلب وتوسعة، وهنا تحديد ودقة فى اختيار الألفاظ نجتنب كل حرام ونسعى ونطلب كل حلال ونوسع رزقنا فى الأولاد .
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "حسن الخلق:
ألّا تغضب ولا تحقد"
وقد أوضح الأمام إنك إذا أردت أن تكون حسن الخلق عليك بعدم الغضب المبالغ فيه وكبح جماح النفس وإبعاد الحقد عن النفس فالحقد يحرقها .
وقال ابن المبارك عن حسن الخلق:
هو بسطُ الوجه
وبذلُ المعروف
وكفُّ الأذى.
البشاشة وعمل المعروف فى أهله وكف الأذى قولا وفعلا من أجل النجاة بالنفس أمام الله ورسوله والناس أجمعين والفوز برضا الله
ولحسن الخلق رحلة أعدكم إن شاء الله أن نستكملها .....