عبدالحى عطوان يكتب :- مأساة زوجة مع القدر ...
#جلست أمامى فلم أستطع أن أتبين ملامحها من شحوب عينيها وكم السواد الذى يكسو جبينها ... بدأت حديثها بصوت خافت تكسو نبراته الحزن، قالت قصتى تتلخص فى جمله واحدة مأساتى مع القدر،
#فقد تزوجت عام 1993 ولم أنجب أى أطفال خلال سنواتى الآولى من الزواج حتى تخطيت الأربعة أعوام، بدأت الشكوك تساورنى والحزن يتسرب الى نفسي، حتى جاء عام 1997 فقد رزقنى الله بطفلة معاقة حيث ولدت بشلل رباعى ثم أصيبت بضمور فى الأعصاب وأستسقاء بالمخ ظروف صحية لا يحتملها بشر، كنت أناجى الله يومياً ما الحكمة من ولادة طفلة مريضة تتعذب كل لحظة كل ثانية، كنت أتساءل بينى وبين نفسي ما ذنبها حتى تعيش مأساة المرض والعذاب والألم، ظلت هكذا حتى بلغت الرابعة عشر عاماً ،طفلة لا تعرف عن عالم الطفولة شيئاً، تحبو حتى تتمكن من الشراب أو الطعام أحملها على كتفى لقضاء حاجتها، إلى أن توفاها الله. لك أن تتخيل مأساتى معها كم من الأطباء تداوت على أيديهم ؟وكم من الأدوية تناولتها؟ مأساتها اليومية مع ملابسها ونظافتها مع فترات ذهابى للعمل وحركتها داخل الشقة التى نقطن داخلها !! لك أن تتخيل كم من المرات حملتها على كتفى هبوطاً على درجات السلم، أو سيرآ بالشوارع للذهاب للأطباء لعمل الأشعة والتحاليل وكتابة الروشتات، مع إحساسك وأنت تغدو ذهاباً وإياباً وترى الأطفال تلعب بالشوارع والحدائق ،
#فى نفس الوقت رزقنى الله ببنتين وكأنه يختبرنى مرة أخرى أو يختبر مدى أيمانى وصبرى ،الطفلة ثانية معاقة والأخرى مصابه بثقب فى القلب، لم ائن أو أتوجع أو أفقد أيمانى بحكمة الله، ولم أهرب من مسئولياتى كنت أردد مع نفسي دائمآ أن الله يمنح الألم والتجربة على قدر الإحتمال وهؤلاء أطفال لا ذنب لهم، ولكنه قدر على بتقبله إلا أن يأتى الفرج من عند الله ،
#وقد كانت الكارثة الكبرى حينما أستيقظت صباح يوم عام 1999 حيث أصيب زوجى فجأة هرولنا مسرعيين إلى مستشفى الهلال جاء التشخيص "جلطة بالمخ" مع تأثر الجانب الأيسر قطعنا شوطا كبيراً فى العلاج حتى بدأ يتعافى ولم يلازمه منها سوى ضغط الدم المرتفع ، والسكر ،ثم كانت الفاجعة الأخرى حيث تكررت الإصابة بالجلطة ثلاث مرات متتالية ، وبدأنا رحلة مريره مع المرض وإجراء عمليات أنسداد الشرايين مع مضاعفات السكر، إلا أن قرر الأطباء ميعاد أول عملية كان التاريخ غريبا 25 يناير كانت الأحداث تتصاعد على مستوى الجمهورية خرجنا حسب الميعاد، وفوجئنا بالمظاهرات والشوارع مغلقة واصلنا السير بصعوبة حتى وجدنا أبواب المستشفى مغلقة ومكبلة السلاسل تمامآ، أنتظرنا حتى المساء أستغثنا بكل شئ حتى أستطعنا الدخول فى اليوم التالى، ظللنا بها حتى كان خطاب التنحى فقط أحسستها لحظتها بالهزيمة من المرض ومن كل الظروف ،،
#بدأت تتسرب الى نفسى لحظات العجز والوهن وتدور فى راسي كل التساؤلات لماذا أنا ؟ ولماذا كل هذا الألم الذى يحيطينى من كل جانب؟ أجرينا العملية الأولى بالهلال خلال هذه الفترة كنت لوحدى لم يسأل عنى وعن بناتى الصغار المصابين سوى أخى الوحيد، بينما لم يمن علينا أهل زوجى أو إخوته أو أولاده من زوجته الأولى حتى بمجرد الإتصال هاتفياً إلا أن كان قرار الأطباء قبل خروجنا لأبد من إجراء عملية أخرى بالمستشفى الجامعى بأسيوط
#سافرنا وليس معى أحد إلا الله والقليل من الأموال ،تركت بناتى بالمنزل فى رعاية أخى والجيران وتفرغت لخدمة زوجى بالمستشفى الجامعى، ولحظة تجهيزه للعملية طلبوا منى كيسين من الدم نفس الفصيلة، أتصلت بأخوته رفضوا التبرع وتحججوا بكافة الحجج . أنهارت دموعى أمام الطبيبه المسئولة عن بنك الدم، وبسؤالها ومعرفتها بالظروف وفرت لى أحتياجنا على حسابها وأثناء العملية جاء لزيارته أحد إخوته كالأغراب لم يكلف نفسة شراء بعض العصائر، أو يتجمل بالسؤال عن الإحتياج ظل ساعات من اليوم لا أعرف لماذا جاء حتى غادر كالأغراب ،ظللت داخل المستشفى الجامعى ثلاثة شهور حتى أحسست بأننى جزءآ من المكان فكل الوجوه باتت تعرفنى العمال، وطاقم التمريض، والأطباء، والمحجوزين معنا،من المرضى حتى الوافدين والزوار وكل المترددين على المكان عشت مع العذاب ،وما خلفته لى العملية من عصبية وشتائم بحكم حالته المرضية، وأخطرنا الأطباء أنه لأبد من بتر ساقه حتى فوق الركبه. كانت صدمتى وأنهياره رفضنا فى البداية، وتعللنا بالدواء لكن مع مرور الأيام و زيادة الألم قررنا السفر للقاهرة لإجراء العملية، وهنا كانت نقطه أخرى للحكاية نصحنى الأهل والجيران بعدم السفر معه، حيث كانت تقطن زوجته الأولى وأبنته وأبنه المتزوج لم تشفع دموعى إليهم لأول مره أتركه يغادر بدونى مر من الوقت يومان، وسرعان ما كان الإتصال تعالى فقد مات زوجك!!
#سافرت أنا وأخى وحملناه حيث مدافنا ومثواه الأخير جلست الليلة الأولى، أسترجع شريط الذكريات فلم أهنأ يوماً أو أشعر بالسعادة لحظة، وسرعان ما كانت صدمتى الأخرى حينما تجردوا من كل آدميه ورحمة وصفة الأبناء وجاءوا إلينا للمره الأولى ليس للإطمئنان أو السؤال، وأنما لتقسيم المستحقات والمعاش. لم يتركوا شيئآ حتى شيك مصاريف الدفنه قسموا فيه بحجة التبرع به للزكاة. فى اليوم التالى غادروا مسرعين إلى ديارهم وتركونى مع بنتين والديون والمرض والسؤال.
هذه قصتى التى تتلخص فى جملة واحدة "مأساتى مع القدر"