الحب الاعمي
هل تعرفون القصة وراء تلك المقولة؟ إليكم هذه القصة...
أنه في قديم الأزمنة كان العالم كله يتكون من الرذائل والفضائل فقط.. ذات يوم شعرتا بشيء من الملل ، وقررتا بعد مشاورات أن تلعبا لعبة للتخلص من الملل وأطلقوا على تلك اللعبة الاستغماية
نالت الفكرة اعجاب الجميع ، وصاح الجنون قائلاً أنا من سيبدأ اللعب سأغمض عيناي وأبدؤ العد ، أما أنتم باشرو بالتخفي و الاختباء
انتشر الجميع واتكأ الجنون على الشجرة وباشر العد ، بدأت كل الفضائل و الرذائل بالاختباء
اختبأت الخيانة في كومة من الزبالة
اتخذت الرقة مكاناً فوق القمر
أما الولع فأخفى نفسه بين الغيوم
أما الشوق ، فقد لجأ إلى باطن الأرض
الكذب كعادته: صرخ بأنه سيختبيء تحت الحجارة رغم توجهه للاختباء في قعر البحيرة
استمر الجميع بالتخفي بينما الجنون يعد خمسة وثمانون ، ستة وثمانون،، في تلك الأثناء كانت كل الفضائل والرذائل قد تخفت ، إلاالحب ، وهذا ليس غريباً ، فكعادته لا يقدر على اتخاذ القرار ، وكما عرف عنه فإنه لا يستطيع التخفي وكلنا يعرف كم هو من الصعب أن يختبئ الحب أو يختفي..
وصل الجنون إلى نهاية تعداده ، وحينها قرر الحب أن يقفز فجأة في باقة من الورد وجدها أمامه
صاح الجنون : تسعة و تسعون ،،مئة ،، أنا آت ،، أنا آت إليكم
كما توقع الجميع الكسل كان أول الخاسرين ، كعادته لم يحاول بذل أي قدر من الجهد لإخفاء نفسه
أما الكذب فقد انقطع نفسه واستسلم خارجاً من البحيرة
كانت الرقة مكشوفة على سطح القمر ، ولم يبذل الجنون أي جهد في العثور على الشوق ، كان الجنون محظوظاً في لعبته ، فقد وجدهم جميعا دون عناء ، إلا الحب، فقد جال الكون كله في محاولات يائسة للبحث عنه
بحث وبحث وبحث لكن دون جدوى ، إلى أن جاء الحسد وقام بوضع بصمته قائلاً للجنون :
الحب يتخفى في باقة الورد..
ركض الجنون إلى الورد ملتقطاً شوكة خشبية كالرمح مستعملاً إياها في طعن الورد بشكل عشوائي وطائش ليجبر الحب على الخروج
استمر الجنون في طعناته إلى أن سمع صوت الحب باكياً لأن الجنون قد أصابه في عينه وجرحه.. ندم الجنون على عملته صائحاً : يا إلهي ، ما هذا الذي فعلت ماذا أفعل لقد تسببت في إصابة الحب بالعمى
أجابه الحب بصوت ضعيف : لن يعود بصري إلي يوماً بعد الآن ، لكن ما زال هناك ما يمكنك أن تفعله: كن دليلي
و من يومها ، يمشي الحب جميع خطواته أعمى ، والجنون يقوده
إلى هنا تنتهي القصة، وأبدأ فأتوقف معك عزيزي القارئ عند هذه الجملة التي تكشف بشدة كل معاني الحب، والذي يأتيك كالصاعقة من حيث لا تدري ومن حيث لا يشاورك في الأمر، أو حتى يعطي لنفسه الفرصة ليعرف ما هي معاييرك في الاختيار، وإنما هو سلطان بلا أوطان يأمرك ولا إرادة لك سوى انك تصبح عبدا له، والسؤال عزيزي القارئ: هل حقا الحب أعمى؟ هل يعيش من دون «نور»؟ وهل نحن بحاجة الى هذا «النور» مادام قلبنا يخفق؟! وهل الظلام في القلب عند المحبين هو نفسه الذي ينير حياتهم، وهو بصيرتهم؟ وهل الجنون في العشق صفة حميدة أم مرذولة وطائشة.. ذلك ان العشاق يدركون انهم يواجهون طوفانا من أصحاب الرذائل الذين لا يملكون فضلا، ولا يعرفون حبا ولا وجدا ولا يعترفون به ولا بالعشاق، ولذا فهم يتجاسرون عنهم ولا يعيشون بنور الحب، وببصيرته!
هل أقول لكم شيئا؟ لا يهم ما يقوله هؤلاء عن العشاق، لا يهم كيف ينظرون إليهم لأننا لو توقفنا خشية منهم فسيضيع هذا الحب الذي دخل حياتنا من دون استئذان، عطية من الله وهدية منه!
الحب يعتبر واسطة العقد والرحمة في العالم الإنساني، فهي الصفة التي ميز الله بها الإنسان عن باقي خلقه بأن جعلهم قادرين على التناغم فيما بينهم ليكنونوا جنسا متناغما قادرا على الوصول إلى أعلى درجات التوافق فيما بينهم.
الحب كلمة صغيرة بسيطة لا تحتوي أكثر من حرفين، ولكنه سر الوجود الإنساني
ما أجمل الحياة عندما يملؤها الحب وما أصعبها عندما لا نجده، فالحب يُزيّن حياتنا ويشع فيها نوراً يُنير دُروبنا، والحياة بدون حُب لا تساوي شيئاً،