شروح الكتب شرح بلوغ المرام - من حديث (لا يدخل الجنةَ قتات)
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْأَوْسَطِ"
ولَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا.
- وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ، ولَا بَخِيلٌ، ولَا سَيِّئُ الْمَلَكَةِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وفَرَّقَهُ حَدِيثَيْنِ، وفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ تَسَمَّعَ حَدِيثَ قَوْمٍ وهُمْ لَهُ كَارِهُونَ؛ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي: الرَّصَاصَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
فهذه الأحاديث فيها التَّحذير من هذه الأخلاق السيئة، فالمؤمن يتحرى الأخلاق الفاضلة، فمما شرعه الله الدَّعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وكان أهلُ السنة يدعون إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، كما دعا إليها الشرعُ المطهر.
ومن مساوئ الأخلاق: النّمامة، وصاحبها هو القتَّات، النَّمَّام، فلا يجوز للمسلم أن يتعاطى النّمامة، يقول ﷺ: لا يدخل الجنةَ قتَّاتٌ يعني: نمَّام، وقال الله جلَّ وعلا: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10- 11]،
وفي الحديث يقول ﷺ أنه مرّ على قبرين، قال: يُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبيرٍ، ثم قال: بلى، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنَّميمة نسأل الله العافية.
والحديث الثاني فيه التَّحذير من الأخلاق السيئة؛ وهي الخداع، والبخل، وسُوء الملكة: لا يدخل الجنةَ خِبٌّ، ولا بخيلٌ، ولا سيئ الملكة، هذا وإن كان في سنده ضعف، ولكن معناه صحيح، تحريم سيئ الأخلاق، والخبّ هو الخداع كما في "النهاية"، الخب: الخداع، الذي يستغفل الناسَ في الفساد، والبخيل معروف،
وسيئ الملكة: سيئ التَّصرف،
ويحتمل المراد بسيئ الملكة في مماليكه وبهائمه؛ فيظلمها، ويحتمل سيئ الملكة: سيئ الخلق، فينبغي للمؤمن أن يتحرَّى طيب الأخلاق، طيب السيرة مع أولاده، ومع مماليكه، ومع بهائمه.
وكذلك يقول ﷺ: مَن كفَّ غضبَه كفَّ الله عنه عذابه، هذا فيه مُجاهدة للغضب؛ لأنَّ الغضب شرّه كبير، وتقدَّم قوله ﷺ: ليس الشديدُ بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، وقال رجلٌ: يا رسول الله، أوصني، قال: لا تغضب، فقال: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مِرارًا قال: لا تغضب، أوصاه بالوصية وكررها عليه؛ لأنه إذا غضب قد يضرب، قد يقتل، قد يسبّ، قد يشتم، فينبغي له المجاهدة في كفِّ غضبه.
وكذلك الحديث الرابع فيه الحذر لمن تسمَّع لحديث قومٍ وهم له كارهون؛ لأنه قد يكون فيه سرٌّ فيُفشيه عليهم، ويضرّهم سماعه: مَن تسمَّع حديث قومٍ وهم له كارهون صُبَّ في أذنيه الآنُك -يعني: الرصاص- يوم القيامة، فلا يجوز الاستماع لحديث قومٍ؛ التَّسمع عليهم في أحاديثهم في التليفون، أو في غير ذلك من وجوه السرّ، لا يتسمَّع لهم، ولا يتوخَّى سماع أحاديثهم؛ لأنه قد يكون ذلك يضرّهم، فلا يجوز للمسلم أن يتسمّع حديث قومٍ وهم له كارهون.
رزق الله الجميع العافية والسلامة.