السياسيين الجدد بين النفاق والبطولات الوهمية
خلال الأسابيع الماضية قادتني الصدفة وحدها لرصد سلوك بعض الشخصيات السياسية،وقادة الأحزاب ،وبعض الشخصيات العامة ،والتي تظن أن لها وجود بالشارع أو بدوائر الأحزاب؛ بل تملا الدنيا صراخًا وضجيجًا وكأنها من رجال صناع القرار.
وكنت أتمنى أن أملك حرفية تسجيل المواقف،والكلمات ،والمكالمات،ورصد الآراء ،وفضح الحكايات حتى يعرف هؤلاء كم النفاق الذين يسبحون فيه! وقدرتهم على التلون بلون الموقف والمكان! بل بلون المصلحة أو السبوبة وكيف يغيرون جلودهم باستمرار دون خجل؟! فهم يملكون أهم ملكة وهى النفاق!
كنت أتمنى فضح شخصيات كثيرة تتغنى بالقيم ،وبالمثل وتتدعي أنها أصحاب مواقف ومن أهل المبادئ لا أقول لكم ماذا قالت بالأمس، والأمس القريب ،وليس ببعيد ومع من اليوم و ماذا تقول؟!
وما هذه القدرة الغريبة على تبديل كل شيء وقلب الحقائق فقد صدق ما قاله " شكسبير" أن بعض البشر يتحدثون بثقةٍ عن الطيبةِ ويمارسون أنواع النفاق بمنتهى الإبداع.
وأيضًا ما صاح به العملاق وأديب العالمية "نجيب محفوظ " بأن لا صوت يعلو في مجتمعنا فوق صوت النفاق ،وهذه هي مأساتنا بل تيقنت تمامًا خطورة هؤلاءِ عندما ساوى الله عز وجل بين الكفر.. والنفاق كان ذلك لجلل وخطورة النفاق بين البشر وخطورة هؤلاء... فالنفاق:سلوك بشرى يظهر عكس ما هو كائن بالنفس البشرية،وبالجبن لدى صاحبه لعدم استطاعته الصراحة وهو ناجم عن ثقافة متدينة في المجال الإنساني أو العقائدي.
وللنفاق أنواع كثيرة: منها الاجتماعي الذي ينتشر،ويبرز بوضوح بين الرئيس ومرؤوسيه في كل الوزارات والقطاعات والمصالح الحكومية ،ومنها الديني:وهو تجيده نوعية من البشر تتربح من التستر وراء عباءة الدين والمتاجرة به بالتحدث عن القيم الإنسانية والأخلاقية وهى تمارس كل أنواع الابتزاز على النفس البشرية.
وأخطر أنواع النفاق هو النفاق السياسي:وهو لا ينتشر إلا في النفوس الضعيفة والجاهلة والتي لديها استعدادًا لتقبله ونشره،في البيئات الغير حضارية وفي المجتمعات ذات التربة الهشة في مكوناتها الفكرية ،و الثقافية ،والدينية أي الغير متزنة وخاصة المجتمعات العربية.
ومن أهم كوارث النفاق :إفساد العلاقات السوية في المجتمع ،والوقيعة بين أشخاصه ،وطبقاته ،وزعزعته فالمنافقين يحصدون مكاسبهم على حساب الأبرياء والأنقياء والفقراء.
واليوم حينما اقترب موعد الانتخابات القادمة ظهر عدد من المنافقين الجدد الضعفاء الذين لا يجدون فن النفاق الراقي فأطلق عليهم الشارع بالراقصين والمتلونين لأنهم يجوبون حول الساسة لصناعة أدوار لهم وتجدهم في كل الدوائر، فهم ينشرون الإنجازات الوهمية والوعود الجوفاء للسياسيين أصحاب نعمتهم ،والتي سرعان ما تتحول إلى خيطِ دخانٍ بعد النجاحِ أو الفشلِ حتى امتلأت صفحات التواصل بمدحِهِم وشكرِهم لسياسيين أجاد علينا الزمان بهم بعدما طوى صفحات كثيرة فيصنعون منهم أبطال،ومن خلفهم وفى الجلسات الأخرى ينددون بهم وبفشلهم ويرون عنهم كيف وصلوا لهذا؟ وكيف كانوا؟!
والمؤكد ليست السياسة هي التي تدفعهم إلى ذلك بل هي مصالحهم وغاياتهم هم يطبقون مصطلح السياسة قذرة يحق لك استخدام كل أساليبها ولا يفهمون أنها فن الممكن وصناعة القدرة على المستحيل؛لأنهم ليس سياسيين أقوياء أو شرفاء بل متلونون،وحينما يسود النفاق السياسي في مجتمع لا غرابة في شيوع القيم الانتهازية والوصولية والشخصية والنفعية وأساليب الخداع والمكر والكذب به.
وبرغم أن فن العلاقات الإنسانية والاجتماعية يحتاج إلى قدرٍ مميزٍ من المجاملات التي لا تستند على حقائق كثيرة في الواقع إلا أن نوعية البشر التي احترفت النفاق حولت تلك العلاقات إلى خداع مستمر.. وهذا الخداع قد يبدأ بسيطًا من حاشية تتكون حول الساسة والمسئولين والنواب أو خداعًا يرقى إلى الخيانة العظمى مثل خداع رأس السلطة بالتلاعب بمصالح الشعوب وحاضر الأوطان ومستقبلهم!
وبرغم الضرر البالغ و الواقع على المسئولين والساسة والمجتمع من هؤلاء المنافقين إلا أنهم يحبون تلك الحاشية ويستمعون لها لطبيعة شخصياتهم فهم ليس أقوياء بالدرجة التي يستطيعون اتخاذ قراراتهم دون الرجوع للدائرة المحيطة بهم!
وفى اعتقادي أن هذه الدائرة هي التي تعجل بنهاية هؤلاء وبرغم أنهم أصبحوا كروت محروقة؛ بل تسببوا في انهيار شعبية من يحيطون به إلا أنهم مستمرون في هذا الدور ويجيدونه.
والخلاصة :ما نقف أمامه عاجزين كيف يمارس المنافقين نفاقهم بلا وازع ضميري أو إنساني؟ كيف يتلونون بهذه الدرجة ويكونوا مقنعين بهذا الإقناع ؟هل لذكائهم الخارق ؟أم لضعف السياسيين الجدد الذين لا يجيدون سوى صناعة البطولات والإنجازات الوهمية على صفحات الفيس؟!