حكم الترحم على الذين وقعوا فى الانحرافات والبدع
السؤال :
حكم الترحم والاستغفار لبعض من مات من أهل الإسلام من العلماء والدعاة، الذين وقعوا في انحرافات ومخالفات وبدع ؟
▪️ الجواب :
قال الحق تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر :١٠] .
كل من مات على الإسلام ولم يعلم نفاقه أو ردته فالترحم عليه والدعاء له بالمغفرة والصلاة عليه مشروعة، والولاء له معقود لإسلامه، وهو من أهل القبلة باتفاق أهل السنة وإجماع المسلمين، إلا أصحاب المعتقدات الخارجية قديمًا وحديثًا!
ومن كان من أهل العلم النافع والعمل الصالح، ووقع في أخطاء أو انحرافات أصولية أو فروعية فمات، فالترحم عليه وذكره بمحاسنه جائز مشروع، والإقرار على الانحرافات والبدع خطأ ممنوع.
فلا تكفير لأهل الإسلام بالكبائر أو الإرجاء، ولا تهاون بضررها في الدنيا والآخرة!
ولمقام الموت حرمته ورهبته، ولأهل الاسلام حقوق ولو كانوا عصاة أو مبتدعة.
قال ابن القيم رحمه الله :
«لَا خلاف فِي جَوَاز الترحم على الْمُؤمنِينَ» [جلاء الأفهام (ص ١٥٩)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
«وكل من لم يعلم منه النفاق وهو مسلم يجوز الاستغفار له والصلاة عليه، بل يشرع ذلك ويؤمر به، كما قال تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}»
[مجموع الفتاوى ( 24 / 286 )] .
وقال:
«فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز الاستغفار له والصلاة عليه، وإن كان فيه بدعة أو فسق، لكن لا يجب على كل أحد أن يصلي عليه، وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة والمظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس، فالكف عن الصلاة كان مشروعاً، لمن كان يؤثِّر ترك صلاته في الزجر، بأن لا يصلى عليه..»
[منهاج السنة ( 5 / 235 )].
وشيخ الإسلام كان كثير من خصومه من المرجئة والمتكلمين، الذين أفتى بعضهم بحل دمه، وطالبوا بقتله، وسجنوه مرارًا، فلما أمكنه الله منهم عفا ودعا لهم أحياء وأمواتًا، وقبله إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
قال ابن تيمية عن الإمام أحمد :
«ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفةوغيره، ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوه به من الظلم» .
[مجموع الفتاوي (12/ 489)].
وقال ابن تيمية عن بعض خصومه من المرجئة وغيرهم، الأحياء والأموات:
«ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساعٍ مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين، ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف»..
[درء التعارض (2/ 102)].
قال ابن القيم رحمه الله :
«جئتُ يومًا مُبشِّرًا لابن تيمية بموت أكبـر أعدائه، وأشدِّهم عَداوةً وأذًى له؛ فنهرني وتنكَّر لي، واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزَّاهم، وقال: إنِّي لكم مكانَه، ولا يكون لكم أمرٌ تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتُكم فيه، فسُرُّوا به ودعوا له، وعظَّمُوا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه» ..
[مدارج السالكين(2 /329)].
🌿 وأخيرًا :
فقد قال الذهبي رحمه الله :
«...وغلاة المرجئة وغلاة الجهمية وغلاة الكرامية قد ماجت بهم الدنيا وكثروا، وفيهم أذكياء وعبَّاد وعلماء، نسأل الله العفو والمغفرة لأهل التوحيد، ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع».
[سير أعلام النبلاء (20/ 45)].
فرحم الله من نطق بعلم أو سكت بحلم، وغفر الله للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات!