ترامب وممداني لقاء العناد السياسي ومقايضة النفوذ بين واشنطن ونيويورك

 لا شيء في المشهد الأميركي يجري على الهامش ولقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعمدة نيويورك الجديد زهران ممداني ليس مجرد حدث بروتوكولي بل محطة سياسية متعمدة تحمل رسائل داخلية وخارجية فترامب الذي اعتاد الصدام مع نيويورك في ولايته الأولى يستقبل اليوم أحد أكثر الشخصيات التقدمية جرأة في مدينة لا تنحني بسهولة ولا تقبل الاندماج في الإيقاع الفيدرالي التقليدي
المفارقة أن الرجلين يأتيان من معسكرين متناقضين تماما ترامب بخطابه اليميني المتشدد وسياساته المناهضة للهجرة وقراراته الاقتصادية المثيرة للجدل وممداني الذي يمثل موجة اليسار التقدمي الأكثر صراحة في مواجهة المؤسسة الأميركية لكن رغم هذه الهوة الواسعة ظهر اللقاء في صورة إيجابية تكشف رغبة كل طرف في اكتشاف حدود القوة لدى الآخر ووضع إطار تفاهم أولي قبل الدخول في مرحلة إدارة الملفات الثقيلة
ترامب حاول إرسال إشارات تهدئة فقال إنه لم يناقش مع ممداني مسألة اعتقال نتنياهو إذا زار نيويورك وهي جملة لا تخلو من حساسية سياسية وتعكس محاولة ضبط التوتر مع القاعدة التقدمية في المدينة ثم أضاف جملة لافتة بأن الوسائل قد تختلف لكن الغاية واحدة وأنه يتوقع مساعدة ممداني لا الإضرار به في إحالة مباشرة إلى إدراكه لحجم التأثير الذي يمكن أن تمارسه نيويورك على المشهد الوطني
في المقابل لم يذهب ممداني إلى الاجتماع بروح المجاملات بل استغل اللقاء ليضع القضية الفلسطينية مباشرة أمام الرئيس متحدثا عن الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بتمويل أميركي ومؤكدا نقل قلق سكان نيويورك من استمرار توجيه أموال دافعي الضرائب إلى مسارات عسكرية خارجية بدلا من الاستثمار في خدمات المدينة وهذا الخطاب الصريح يعيد صياغة صورة ممداني كعمدة لا يساوم على القضايا الأخلاقية ولا يتردد في مواجهة أعلى سلطة في البلاد بملفات حساسة
المشهد بكامله يعكس معادلة جديدة بين واشنطن ونيويورك ترامب يريد مدينة مستقرة لا تفتح جبهة معارضة واسعة في الداخل وممداني يريد رئيسا يدرك أن زمن الإملاءات من فوق قد انتهى وأن نيويورك بثقلها الاقتصادي والسياسي قادرة على فرض خطاب مختلف تماما عن خطاب واشنطن التقليدي
اللقاء لم ينتج اتفاقا لكنه رسم حدود اللعبة المقبلة مواجهة هادئة لكنها حاسمة بين أقوى رجل في الدولة وأجرأ رجل في المدينة لقاء أول قد يكون افتتاحية لمرحلة سياسية أكثر اشتباكا وتأثيرا تتجاوز حدود نيويورك إلى كامل المشهد الأميركي