18:10 | 23 يوليو 2019

على حافة العدالة المكسورة

10:10pm 21/11/25
صوره ارشيفيه
نشأت البسيوني

في كل مدينة في كل بيت وفي كل قلب هناك قصة صامتة تبدأ بكلمة وتنتهي بندبة الظلم لا يحتاج جيوشا ولا سيوفا يكفي أن يمتلك شخص قلبا قاسيا أو عقلا لا يعرف سوى مصلحته أو لسانا لا يرى في الكلمة سوى وسيلة لجرح الآخرين وحين يحدث الظلم لا يحدث فجأة إنما يأتي كظل يتسلل دون صوت يجلس قربك يضع يده على كتفك ثم يسرق منك ما تستطيع أن تراه وما لا تستطيع 

 

المظلومون لا يولدون مظلومين بل يدفعون دفعا إلى الحافة حافة تقف عليها أرواحهم متعبة مترددة غير قادرة على العودة إلى الوراء وغير قادرة على التقدم هناك تماما في تلك المساحة التي لا يراها أحد يعيش المظلوم عمرا كاملا لا يعرف عنه العالم شيئا هناك أناس يظنهم الناس أقوياء يبتسمون يمازحون يتحركون بين البشر بثقة ظاهرة لكن داخلهم حرب لا تهدأ حرب تبدأ كل ليلة حين يعودون 

 

إلى غرفهم حين تنطفئ الأنوار ويغيب صخب النهار حين يجلسون وحدهم أمام ذلك السؤال الذي أصاب قلبهم في مقتل لماذا ليس السؤال لماذا حدث بل لماذا فعلوا لماذا تحولت الوجوه لماذا تغير الكلام لماذا غابت الرحمة فجأة وكأنها لم تكن في يوم من الأيام جزءا من علاقة كانت تبدو صافية الظلم لا يؤلم في لحظته فقط بل يؤلم أكثر حين تتذكر أنك كنت تستحق كلمة إنصاف واحدة ولم 

 

تجدها أو حين تتذكر أنك كنت توقف نفسك عن الرد احتراما بينما الآخر كان يضغط أكثر لأنه رأى صمتك ضعفا أو حين تتذكر أنك دافعت عنهم يوم كانوا غائبين ثم واجهوا حضورك وكأنك لم تكن شيئا يذكر وهناك نوع من الظلم لا يكون بالصوت العالي بل بالخذلان بالانسحاب في اللحظة التي تحتاج فيها إلى كتف بالصمت حين تنتظر كلمة بالإهمال حين يكون الاهتمام هو النجاة الوحيدة 

 

ذلك الظلم أوجع من أي ظلم آخر لأنه يجعل المظلوم يتساءل عن قيمته لا عن خطئه يجعله يحاسب روحه بدل أن يحاسب من ظلمه ويجعله يرى نفسه أصغر مما كان وهو لم يكن صغيرا قط ويا لثقل الوجع حين يأتيك من شخص كنت تعطيه من عمرك وتفتح له قلبك وتشاركه مخاوفك وتصدق أنه الأمان في هذا العالم المزدحم بالخيبات ثم تكتشف أنه كان بابا مفتوحا للوجع لا بابا مغلقا عليه 

 

المظلوم يتغير نعم لكن تغيره لا يكون حول الآخرين فقط بل حول نفسه يصبح أكثر حذرا أكثر صمتا أكثر عمقا وأكثر بعدا عن الناس الذين يكررون الأخطاء ولا يرون غير أنفسهم يصبح يحب من بعيد يخاف من القرب يبني جدرانا حول قلبه ليس ليحميه من الناس بل ليحمي الناس من عودته إلى هشاشته ومع ذلك تبقى في قلب المظلوم بقعة ضوء لا تنطفئ مهما حاول الظلم أن يخمدها تلك 

 

البقعة هي الإيمان بأن الله يرى يراهم ويراك يرى قلبك حين ضاقت عليك الأرض ويرى دمعتك التي حبسها كبرياؤك ويرى أنك لم ترد الظلم يوما ولم تظلم أحدا وأنك خرجت من التجربة أنقى مما دخلت الظالمون قد يربحون لحظة قد يربحون موقفا قد يربحون سلطة أو كلمة أو مشهدا مؤقتا لكنهم يخسرون شيئا أعظم يخسرون السلام الداخلي ذلك السلام الذي لا يشتريه مال ولا يأتي 

 

بسطوة السلام الذي لا يزوره قلب ظالم أبدا لأن الظلم يترك ثقبا أسود في الداخل ثقبا يأكل صاحبه ببطء حتى دون أن يشعر والأيام الأيام لا تهمل أحدا قد تظن أنها تمضي بلا حساب لكنها تسجل في صمت ما لا يسجله الناس تسجل دمعا وقهرا وصبرا وليلا طويلا ثم تعود بكل ذلك الحق إلى صاحبه حين يشاء الله وفي نهاية الطريق يجد المظلوم نفسه واقفا رغم كل السقوط ثابتا 

 

رغم كل الرياح نضيفا رغم كل الأوحال التي رماها عليه الظالمون ويبقى الظالم مهما علا مكسورا من الداخل يحمل في أعماقه قلقا لا يسمعه أحد وخوفا لا يعترف به وفراغا لا يملؤه شيء وهكذا يبقى الحق يمشي بخطوات ثابتة ولو كانت بطيئة ويبقى الظلم طريقا قصيرا مهما بدا طويلا ويبقى المظلوم رغم جراحه رغم ندوبه رغم تعب روحه أجمل من الظالم ألف مرة لأن الله جعل في قلبه نورا لا يخبو وجعل في دعائه قوة لا ترد وجعل له عند كل وجع موعدا مع جبر لا يشبه أي جبر

 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum