يا أبي، يا أمي: عدلكم اليوم.. سلامة أولادكم غدًا
لا تزرعوا بذور الفتنة في بيوتكم بتمييز الأبناء، فإنكم بذلك تحصدون الشقاق والندم!
في بيوتٍ كثيرة نرى أبًا يمنح أحد أبنائه عطايا خفية أو يوصي له بممتلكات دون علم إخوته، فتشتعل نار الغيرة، وتتفكك روابط الأخوة، ويُظلم من لم يُفضَّل!
هل هذا ما أوصى به الله؟ وهل هكذا يكون العدل في القلوب؟
نور من القرآن:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ (النحل: 90)
﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ (الأنعام: 152)
العدل بين الأبناء ليس تفضّلًا ولا منّة، بل واجب شرعي وأمانة يُسأل عنها الأب والأم أمام الله.
هدي النبي ﷺ نبراس لنا:
جاء بشير بن سعد إلى النبي ﷺ ليشهده على هبة لابنه النعمان، فقال له النبي ﷺ:
"أكل ولدك نحلته مثل هذا؟"
قال: لا.
قال ﷺ: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم."
(رواه البخاري ومسلم)
كلمة «النِّحل» في الحديث تعني العطية أو الهبة التي يعطيها الوالد لأحد أولاده.
القانون والشرع معًا:
القانون المدني المصري يؤكد أن الهبة التي تهدف إلى حرمان الورثة أو تفضيل بعضهم دون مبرر مشروع تُعتبر باطلة إذا ثبت فيها غش أو قصد إضرار.
فلا تجعلوا المحبة أو العاطفة سببًا في ظلم الآخرين، فالعدل حماية للأسرة لا عبء عليها.
قضية مهمة من واقع البيوت:
قد يكون بين الأبناء من يعيش ويعمل مع أبيه، يسهم في بناء الثروة وتوسيع الرزق، بينما يختار أحد الأبناء أن يستقل بعمله خارج هذا النشاط الأسري منذ سنوات.
فمن ترك العمل مع والده، وسار في طريقه مستقلًّا في رزقه وكسبه، فلا حقّ له شرعًا في الأرباح أو الممتلكات التي نشأت بعد خروجه، لأنها ثمرة عمل غيره.
أما ما كان موجودًا قبل خروجه فيدخل في التركة بعد وفاة الأب بحسب أنصبة الميراث الشرعية.
أما الابن الذي ظلّ مع أبيه وساهم بجهده وعرقه في بناء الثروة، فيجوز للأب أن يُكرمه بهبة أو مكافأة في حياته، بشرط:
1. أن يُعلن ذلك صراحة أمام جميع الأبناء (ذكورًا وإناثًا).
2. أن يُوضح أن هذا التكريم جزاء عملٍ وجهدٍ حقيقي، لا تمييزًا في المحبة.
3. أن يبقى العدل هو الأصل، فلا تُمنح الهبة على حساب حقّ الآخرين أو على سبيل التفرقة الظالمة.
فالتكريم لا يعني الحرمان، والفضل لا يعني الظلم.
تذكير هام:
المال زائل، لكن الأخوة باقية.
لا تجعلوا المال سببًا لقطيعة الرحم أو هدم البيت.
قصة واقعية موجعة:
أبٌ وهب كل أملاكه لابنه الأكبر لأنه الأقرب لقلبه، فلما توفي، رفض الابن أن يُنصف إخوته، فتحولت الأسرة إلى ساحة نزاع، واندثرت صلة الرحم!
فهل هذا ما نريده لأولادنا بعد رحيلنا؟
وصية من القلب:
من عدل بين أولاده، عدل الله معه يوم الحساب.
"اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر."
(رواه الطبراني)
اجعلوا بيوتكم حصونًا للعدل لا ميادين للخصام.
الهبة أمانة، والتمييز خيانة، والعدل بركة تحفظ القلوب وتورّث المودة.
رسالة إلى الأبناء:
قدّروا تعب آبائكم، وكونوا رحماء فيما بينكم.
لا تجعلوا المال يطفئ دفء المحبة، فبيتكم الواحد أغلى من كل عقارٍ أو ميراث.
من زرع العدل اليوم، حصد المحبة غدًا.. ومن غرس الإنصاف، حصد رضا الله والناس.



















