السيسي والسادات عبوران بين التاريخ والمستقبل

في مشهد يختصر ذاكرة وطن وإرادة شعب وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم ليجدد التقدير للرئيس الراحل محمد أنور السادات ويشيد بقراره التاريخي في العبور العظيم قرار لم يكن عسكريا فقط بل كان فعلا وطنيا جسورا أعاد للمصريين كرامتهم بعد سنوات الانكسار وأثبت أن إرادة الأمة لا تهزم مهما طال ليل الهزيمة
تقدير السيسي للسادات لم يكن مجرد تحية رمزية بل كان رسالة سياسية عميقة فكما امتلك السادات شجاعة القرار في 1973 يخوض السيسي اليوم معركة من نوع آخر عبور جديد نحو الاستقرار والبناء وسط ألغام اقتصادية وضغوط إقليمية غير مسبوقة كلاهما واجه تحديات عصره بالسلاح ذاته الإيمان بالمصير الوطني والثقة بقدرة المصريين على تجاوز المحن
الندوة التثقيفية الثانية والأربعون التي نظمتها القوات المسلحة بمناسبة الذكرى الثانية والخمسين لنصر أكتوبر لم تكن احتفالا تقليديا بل كانت استدعاء لذاكرة الصمود لتذكير الأجيال أن الانتصار لا يتحقق إلا بالوعي والعمل والتضحية وقد جسدت كلمات الرئيس هذه الفكرة حين أكد أن الدولة ماضية في تجاوز التحديات وبناء مستقبل مشرق للأجيال القادمة
وفي كلمته أشار الرئيس إلى سلسلة إنجازات شهدها شهر أكتوبر من وقف الحرب في غزة إلى فوز الدكتور خالد العناني بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو وانتخاب مصر لعضوية المجلس الدولي لحقوق الإنسان وهي إشارات تؤكد أن مصر اليوم لا تصنع انتصاراتها في الميدان فقط بل في المحافل الدولية أيضا وأن صوتها أصبح مؤثرا في ملفات الإقليم والعالم
ولعل الرسالة الأهم في حديث الرئيس كانت دعوته إلى مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة في نوفمبر 2025 وتكليفه للحكومة والمجتمع المدني بإنشاء آلية وطنية لدعم هذا الجهد ما يعكس رؤية مصر بأن قوتها لا تقاس فقط بما تملكه من جيش بل بما تقدمه من إنسانية ومسؤولية تجاه الأشقاء
سياسيا حملت كلمة الرئيس إشارات إلى الوعي باللحظة التاريخية مصر التي عبرت في أكتوبر 73 تعبر اليوم نحو الاستقلال الاقتصادي والإصلاح الحقيقي بعيدا عن سياسة المسكنات كما شدد الرئيس على أن الإصلاح لا يتم إلا بالإرادة الشعبية الواعية وبإيمان المواطن ببلده وبأن المعاناة الحالية ليست سوى ثمن لمستقبل أفضل
السيسي لم يتحدث من برج عال بل من قلب الواقع قال إنه يشعر بمعاناة المواطنين لأنه واحد منهم وهذه الجملة رغم بساطتها تحمل جوهر العلاقة بين القائد وشعبه علاقة مشاركة لا وصاية ومسؤولية لا مباهاة
ما بين السادات والسيسي يمتد خيط واحد من الوعي الوطني عبور من الحرب إلى البناء من مواجهة العدو إلى مواجهة التحديات الاقتصادية والضغوط العالمية من معركة الكرامة إلى معركة البقاء وكما كان العبور الأول نقطة تحول في التاريخ فإن العبور الثاني يصنع الآن ملامح جمهورية جديدة عنوانها الثقة والعمل والوعي